الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،
فقد سألني بعض الإخوة عما قرره فضيلة الشيخ عبد العزيز الريّس -حفظه الله- في بعض مسائل الإمامة، حيث كتب مقالاً بعنوان «إرشاد الأنام إلى حكم الكلام في الحكام» منشوراً في موقعه «الإسلام العتيق»، وأصله مادة صوتية سعى لنشرها بعض الإخوان في هذه الأيام، ولما تأملت المقال، وجدت الشيخ –وفقه الله- قد جانب الصواب، وخالف في مضمونه منهج أهل السنّة والجماعة والنصوص العامة والآثار الواردة عن السلف والأئمة في باب الإمامة والجماعة وحقوق الأئمة، وخالف كلام العلماء المعاصرين، إذ جوّز فيه الكلامَ في مساوئ حكام المسلمين، باستثناء حاكمه الذين دخل في بيعته، ونشرَها وإذاعتَها تحقيقاً لما ظنّه الشيخ -عفا الله عنا وعنه- من مصلحة، ولا شك أن هذه المسألة من المسائل الكبيرة المتعلقة بالعلاقات الدولية بين الدول، وهي من مسائل السياسة الشرعية الكبرى التي لا ينتصب للكلام فيها إلا أهل الشأن من أولي الأمر، لا سيما أن الشيخ الريّس –عفا الله عنا وعنه- قد خالف في عين هذه المسألة وخصوص هذه النازلة موقف العلماء المعاصرين ورأيهم، كالشيخ صالح الفوزان –حفظه الله- وغيره من العلماء الأكابر، فقد سُئل الشيخ صالح الفوزان –حفظه الله عن الداعية المسلم في بلد ما، هل يجوز له أن يتكلم في ولي الأمر المسلم في بلد آخر؟ فأجاب بقوله: (لا، ينشر عقيدة أهل السنّة والجماعة في ولاة الأمور، وفي غيرهم، في بلاد الكفار وفي بلاد المسلمين، هذا واجب طالب العلم، وواجب المسلم) ا.ه [صوتي: شرح العقيدة الواسطية – الشريط رقم (1)]
وقد سعى –عفا الله عنا وعنه- جاهداً لتقرير هذه المخالفة لمنهج أهل السنّة والجماعة بدلائل واهية، وقواعد مستحدثة، استلزمت الردّ والبيان، حفظاً لمنهج أهل السنّة والجماعة من التحريف، وصيانة للأصول والقواعد الشرعية من استعمالها في غير مواضعها، وهي مصلحة أحقُّ بالصون والذبّ والتقديم من مصلحة آحاد المسلمين وحقوقهم الخاصة، ولو كانوا من أولي الفضل والعلم.
على أن الذين عناهم الشيخ الريّس في مقاله، ممن أطلق عليهم لقب «الحركيين»، ممن أكثروا من تعظيم بعض الحكام والتنويه بإنجازاتهم والمبالغة في مدحهم اتباعاً لهواهم، وتعصباً لحزبهم البدعي، قد تكفّل أهل العلم وطلبته بالردّ على مناهجهم المنحرفة عن جادة السنّة، وكشف مخططاتهم لضرب بلاد المسلمين، وإبطال مكرهم بعقيدة أهل السنّة والجماعة وجماعتهم، والشيخ الريّس له جهود طيبة في الردّ على هذه الجماعات والأفكار، وفضح رؤوسها، إلا أن ما قرره الشيخ الريّس في مقاله، وقاله بصوته، مما ينشره محبوه بخصوص هذه المسألة، لا يسع السكوت عنه، لما فيه من نسبة الخطأ والباطل إلى منهج أهل السنّة والجماعة، كما أنه يفتح باب شرٍ عظيمٍ على المسلمين؛ إذ يتجرأ الناس إلى نقد من شاءوا من الحكام معتقدين حلّه وجوازه، بل وكونه من منهج أهل السنّة والجماعة، وهذا أمرٌ خطير.
والشيخ الريّس –وفقه الله- قد عُرف عنه الذبّ عن منهج أهل السنّة والجماعة، والردّ على كل من يراه مخطئاً، مهما كانت منزلة قائله، وسواء كان المردود عليه من أهل السنّة والجماعة أو غيرهم، وهذا أمر مشهور ومنشور، وهذا الردّ إنما هو من هذا الباب، والظنّ بالشيخ أنه يتسع صدره لمثل هذه الردود، بل يُشجّع عليها، على ما هو معروف من مسلكه، وهكذا أهل السنّة والجماعة، يردّ بعضهم على بعض، طلباً للحق، ونصيحة للخلق. قال ابن القيم -رحمه الله-: (شيخ الإسلام حبيبٌ إلينا -أي: أبو إسماعيل الهروي الأنصاري-، والحق أحب إلينا منه، وكل من عدا المعصوم فمأخوذ من قوله ومتروك). [مدارج السالكين 2/37]
وعلى هذا فأقول: إن أهل السنّة والجماعة متفقون على تحريم الخروج على حكام المسلمين، وعدم نزع اليد من طاعتهم، أبراراً كانوا أو فجاراً، وتحريمِ كلّ وسيلة وذريعة تؤدي إلى الخروج وتفريق الجماعة؛ كنقد الحاكم علناً، ونشر مساوئه وعيوبه، والتحريض على مخالفة أمره، وإذاعة النصيحة وإعلانها، ودلائل هذا الأصل أشهر من أن تُذكر، وهي مسائل منصوص عليها، ليست من قبيل المسائل الاجتهادية، ولا حاجة لذكر دلائل هذا الأصل، إذ الرادّ والمردود عليه متفقان على هذه المسألة، وليست هي من مواضع النزاع بينهما.
ولا فرق في هذا الأصل بين حاكم وغيره، ما لم يخرجوا بمعصيتهم من دائرة الإسلام، والنصوص وآثار السلف في هذا الباب لم تفرق بين حاكم وحاكم، بل جاءت عامة تعم كل حاكم مسلم، في أي بلد كان، وتعم كل مسلم في أي بلد كان، ولا يجوز تخصيص هذه النصوص العامة بالآراء والاجتهادات الخاصة، فإنه خروج عن النصوص، ومخالفة لهدي السلف، وتخصيص للنص بمجرد الرأي، وهو ما ذمَّه السلف وأنكروه.
فكل مسلم دخل في بيعة إمام من أئمة المسلمين ممن انعقدت له البيعة الشرعية، فإنه يلزمه طاعته، ويحرم عليه منازعته، ويجب عليه الصبر على ما يرى من هذا الإمام من جورٍ وظلمٍ واستئثارٍ بالدنيا.
وإذا كان الخروج على الإمام المسلم محرماً شديد التحريم، فإن الإعانة عليه، والتحريض عليه، محرمٌ أيضاً بنص النبي صلى الله عليه وسلم، وآثار الصحابة والسلف، لكونه وسيلة وذريعة لما حرمه الله، والوسائل لها أحكام المقاصد، وهذه الوسيلة والذريعة المنصوص على تحريمها، لا فرق في تحريمها، بالنسبة للمسلم، بين إمامه الذي لزمته بيعته، وبين غيره من أئمة المسلمين، فكما لا يجوز للمسلم التحريض على الخروج والثورة على إمامه، ولا فعل وقول كل ما من شأنه الدعوة والتحريض على ذلك، كنشر المعايب والمساوئ، وإظهار النقد والإنكار على رؤوس الخلائق، فكذلك لا يجوز فعله في حق غيره من أئمة المسلمين وحكامهم، بتحريض رعية ذلك الإمام عليه؛ عن طريق نشر معايبه ومساوئه، ونقده على رؤوس الخلائق، ونحو ذلك من أسباب الثورة ومبادئها.
ولا يُعرف عن عالمٍ من علماء أهل السنّة والجماعة تجويز ذلك، لا مطلقاً ولا مقيداً، لا من السابقين ولا من اللاحقين، على أنه قد ينتصب الواحد منهم للردّ على الخطأ في مسألة شرعية جاءت على لسان أو مقال إمام أو حاكم مسلم، انتصاراً للدين والشرع، لا قصداً للعيب والذم والقدح، كما قد جرى من الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- غير مرة، منها رسالته إلى الرئيس التونسي السابق الحبيب بو رقيبة منكراً عليه مخالفات عقدية جاءت على لسانه في خطاب له، منها: زعمه أن في القرآن تناقضاً، وغير ذلك. [مجلة الجامعة الإسلامية، العدد 25، ص 3، رجب 1394ه]
فما قرره فضيلة الشيخ عبد العزيز الريّس –عفا الله عنا وعنه- من جواز إظهار مساوئ بعض حكام المسلمين، ونشر معايبهم، لتحقيق مصلحة راجحة ودفع مفسدة أكبر –حسب دعواه-، خطأٌ ظاهرٌ لم يُسبق إليه فيما أعلم، ومخالفةٌ صريحة لمنهج أهل السنّة والجماعة، وخروجٌ عن هدي العلماء المعاصرين، ولذا لم يستطع أن ينقل عن عالمٍ من العلماء ما يشهد لكلامه في هذه المسألة بالخصوص.
على أن هذه المسألة بالخصوص لو صحّ فيها قوله، فإنها ليست من شأن طلبة العلم والدعاة، فضلاً عن العامة، بل هي من شأن أولي الأمور، وأهل الحل والعقد، ولذا لا ينبغي أن ينتصب لها من ليس أهلاً لذلك، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
وقد حاول الشيخ –عفا الله عنه وعنه- التدليل على تقريره الخاطئ، ومخالفته الصريحة لمنهج أهل السنّة والجماعة بدلائل واهية، وتقعيدات مستحدثة، استدعت التنبيه عليها، على النحو التالي:
أولاً: ادعى الشيخ الريّس –وفقه الله- تجويز الكلام في الحكام الآخرين للمصلحة الراجحة، وذلك في قوله: (إن ما مُنع سداً للذريعة، وهو الكلام في الحكام الآخرين، فإنه يجوز للمصلحة الراجحة)، وهذه المصلحة التي علّق الشيخ الريّس عليها الحكم هي من تقديره نفسه، لا من تقدير أهل العلم والخبرة هذا أولاً، ويقال ثانياً: إن هذا مصادمٌ للنصوص الشرعية العامة الناهية عن عيب الحاكم المسلم مطلقاً، والتأليب عليه بإظهار مساوئه ومعايبه، والآمرة بمقابلة فسقه وجوره وعيبه ونقصه بالصبر، وهي نصوصٌ عامة تعم جميع ولاة المسلمين وحكامهم، لأن المفاسد المترتبة على ذلك؛ كالثورة والفتن وضياع الأمن والتعدي على الأنفس والأعراض والأموال، لا تخص بلداً دون بلد، ولا إقليماً دون إقليم، ولا جنساً دون جنس. من هذه الأحاديث ما رواه الشيخان من قوله عليه الصلاة والسلام: «ستكون أثرة، وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم»، وما رواه مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يكون بعدي أئمة، لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع».
فهذه المصلحة المزعومة مبطلةٌ للنص، ومعلومٌ أن كلَّ ما عاد على النص بالإبطال؛ من رأي واجتهاد وقياس، فهو فاسد الاعتبار.
ثم إن ما ادّعاه الشيخ الريّس من المصلحة، فوق كونها مبطلةً للنص، فإنها تفتح باب نقد حاكم الإنسان نفسه وإظهار مساوئه، إذ لا يعجز من يريد نقد حاكمه الذي لزمته بيعته، وعيبه، من ادعائها، ولا شك أن هذا يفتح باب شرٍّ عظيم على المسلمين، ويسوّغ لدعاة الشر سلوك هذا المسلك لعيب من شاءوا من الحكام ونقدهم وإظهار معايبهم ومساويهم، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}.
ثانياً: استدل الشيخ الريّس –عفا الله عنا وعنه- على جواز من اختار نقدهم وعيبهم من حكام المسلمين، بقاعدة فقهية في غير محلها، حيث قال: (فإن قيل: إن مثل هذا قد يوغر صدور الأتراك مثلا للخروج على حاكمهم أردوغان؟ فالجواب: هذه المفسدة متوقعة لكن هناك قاعدة شرعية عظيمة: «يغتفر تبعًا ما لا يغتفر استقلالاً»).
وهذه القاعدة الفقهية لا تمت للمسألة محل النزاع بصلة، وذلك من عدة أوجه:
الوجه الأول: أن القاعدة تعني: أن الشرع يَتسامح فيما يقع ضمن شيء آخر مباحٍ وتبعًا له ما لا يتسامح فيما لو كان هو المقصود أصلاً، مثال ذلك: بيعُ الثمار قبل بدو صلاحها، فإنه يجوز تبعاً لبيع الشجرة، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم المتفق عليه: «من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع»، فتدخل الثمار التي لم يَبْدُ صلاحها في الشجرة ضمناً وتبعاً للأصل، ولا يصح استقلالاً لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع» متفق عليه. ومثال ذلك أيضاً: الجنين في بطن أمه، فإن تذكيته: تذكيةُ أمه، فمتى ما ذُكّيت أمه وخرج الجنين من بطنها ميتاً حلَّ أكله تبعاً لأمه، لحديث: «ذكاة الجنين ذكاة أمه» [رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه].
الوجه الثاني: أن هذه القاعدة تُعتبر من قواعد المسائل الاجتهادية، لا مسائل الإمامة والجماعة النصيَّة الاعتقادية، فباب الإمامة والجماعة من جملة أبواب الاعتقاد، وهي مسائل نصية ليست من قبيل مسائل الاجتهاد والقياس.
الوجه الثالث: أن القاعدة الفقهية ليست دليلاً ولا حجة في الشرع في قول أكثر أهل العلم، ومن جوّز منهم الاستدلال بالقواعد الفقهية خصَّ منها ما جاء النصّ عليه، كقاعدة «الخراج بالضمان» لحديث: «الخراج بالضمان»، وقاعدة «الأمور بمقاصدها» لحديث «إنما الأعمال بالنيات»، وعلى فرض صحة هذا القول، فإن القاعدة التي استدل بها الشيخ لا تندرج تحت هذا النوع من القواعد.
الوجه الرابع: أن القاعدة الفقهية يُستفاد منها تعليل بعض الأحكام الشرعية الثابتة المنصوص عليها، والقياس على ما لم يأت به النص، ولا يصح بحال الاستدلال بها على إبطال النصوص الثابتة، كنصوص السمع والطاعة ولزوم الجماعة، والتحذير من الخروج والثورة ونزع اليد من الطاعة.
الوجه الخامس: أن الشيخ الريّس –عفا الله عنا وعنه- أفسد القاعدة وقَلَب معناها، فاستدل بالمباح على الحرام، إذ القاعدة تنص على أن التابع للأصل المعقود عليه غيرُ مقصود بالعقد أصلاً ولا مذكورٍ فيه، كمسألة بيع شجرةٍ عليها ثمارٌ لم يَبْدُ صلاحها، فإن المنصوص عليه في العقد هو: بيعُ الشجرة، وهو أمرٌ مباح، والثمار التي لم يبْدُ صلاحها جاءت تبعاً لهذا المباح المعقود عليه، فلم تحتج إلى ذِكرٍ وتنصيص في العقد لأنها دخلت ضمناً، ما لم يَبْدُ صلاحها، فالبيع إذاً وقع على أمرٍ مباح، ودخل المنهي عنه فيه ضمناً، وهذا بخلاف المسألة محل النزاع والمُستدلّ لها في كلام الشيخ الريّس بالقاعدة: إذ الكلام فيها أصلاً –أي: ما وَقَع عليه العقد، كالشجرة في المثال السابق- واقعٌ على منهيٍّ عنه نصاً، وهو نقدُ حكام المسلمين الآخرين، بينما المنهي المسكوت عنه هو: تهييج شعوب أولئك الحاكم وإيغار صدورهم عليهم، فالشيخ -عفا الله عنا وعنه- جمع بين منهيَّين ومحرمَّين بفعله؛ أولهما: نقد حاكم من حكام المسلمين صراحة، والثاني: تهييج شعب ذلك الحاكم عليه ضمناً، بينما القاعدة إنما تدل على جواز فعل ما هو مباح في أصله، وإن تضمّن شيئاً منهياً إذا جاء ضمناً لا قصداً. فصار لسان حال الشيخ الريّس –عفا الله عنا وعنه- أنه يقول: يجوز فعلُ ما هو محرمٌ منهيٌّ عنه، وإن تضمّن محرماً منهياً عنه غير مقصود، فالقاعدة حسب كلام الشيخ وتطبيقه: «يُغتفر بعضُ المحرم إذا جاء تبعاً لأمر محرم…»، بدل أن تكون: «يُغتفر بعض المحرمُ إذا جاء تبعاً لأمر مباح…».
ثالثاً: أن حقيقة ما قام به الشيخ -عفا الله عنا وعنه- هو نقل البلاء والمفسدة من بلد إلى بلد، فحاول دفعَ المفسدة المترتبة على إظهار محاسن بعض الحكام ومدحهم، وهي -حسب دعواه-: تهييج الشعوب الآخرين على حكامهم، من خلال قيامه بنقدِ أولئك الحكام الممدوحين وتهييج شعوبهم عليهم، فنَقَل المفسدة عن بلده وألقاها إلى بلد آخر، ومعلوم أن المفاسد إنما جاء الشرع بمنعها وتقليلها، لا بنشرها وتكثيرها.
رابعاً: أن الشيخ الريّس -عفا الله عنه وعنه- استدل على جواز نقد الحكام الآخرين بالقاعدة المذكورة في قوله: (ثم يؤكد ذلك القاعدة الثالثة الأخرى: «أن الدين مبني على جلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها»، وأنه إذا تعارضت مفسدتان فإنه تدرأ الكبرى بالمفسدة الصغرى، فإن احتمال إيغار صدور الأتراك قليل للغاية بالنسبة إلى دفع الفتن التي يدعو إليها الحركيون في بلاد المسلمين بإظهار محاسن أردوغان، لا سيما والسلفيون وأهل السنة يكررون ما بين حين وآخر أن خروج الأتراك أو المصريين أيام مرسي على حاكمهم محرم، فهم بهذا يقللون المفسدة المتوقعة مع تحصيل المصلحة الأكبر، وهو عدم خروج الناس على حكامهم في بلادهم). وهذا الاستدلال عليه عدة مآخذ:
المأخذ الأول: أن حقيقة ما قام به الشيخ الريّس –عفا الله عنا وعنه- هو تكثير المفسدة ونشرها، لا منعها وتقليلها، فإن المفسدة التي ادعاها وأراد دفعها عن بلده باقية باستمرار تزيين أولئك الحركيين لأفعال من سماهم من الحكام، فقام الشيخ بزيادة هذه المفسدة من خلال نقد أولئك الحكام وتهييج شعوبهم عليهم، فزادت المفسدة بفعله وانتشرت.
المأخذ الثاني: أن الشيخ الريّس –عفا الله عنا وعنه- وقع في أعظم مما وقع فيه أولئك الحركيون، والمفسدة المترتبة على فعله أعظم من المفسدة المترتبة على فعلهم؛ إذ إنه قام بالتصريح بنقد من سماهم من الحكام وعيبهم وذكر مساويهم وتهييج شعوبهم عليهم، بينما قام أولئك بمدح أولئك الحكام بقصد لمز الحكام الآخرين –حسب دعواه-، وفرقٌ بين التصريح والتلميح، فحقيقة فعله: ارتكاب المفسدة الكبرى لدرء المفسدة الصغرى، وهذا نقيض القاعدة المُستدل بها.
المأخذ الثالث: أن هذه القاعدة إنما تُستعمل عند تزاحم المفاسد، بحيث لا يمكن درء المفسدتين كليهما، فيختار الإنسان حينئذٍ فعل أصغرهما ليدفع أكبرهما، وهذا متعذر في المسألة المُستَدَلّ لها، فإن المفسدة المتوقعة نتيجة مدح أولئك الحركيين لمن سماهم من الحكام، وهي حسب دعواه: تهييج الشعوب الأخرى على حكامهم وتزهيدهم فيهم، يمكن دفعها بغير القيام بمفسدة نقد أولئك الحكام الممدوحين، وذلك بتذكير الشعوب بنصوص الشرع في باب الإمامة، وبيان الحقوق الواجبة للحاكم على رعيته، وهو ما جاءت به السنّة، ولا أفضل من دفع البدعة بالسنّة ونصوص الشرع، ومن ذلك أيضًا: إظهار محاسن الحكام الآخرين في مقابلة ما ادعوه في الممدوحين وأكثر، لكن بدون غلو وإكثار.
خامساً: أن القاعدة التي يمكن أن يُستدل بها لفعل الشيخ الريّس وتقريره، هي قاعدة «ما حُرّم تحريم الوسائل فإنه يُباح للحاجة»، فلو قدّرنا أن نقد الحكام وعيبهم وذكر مساويهم محرمٌ لكونه وسيلة وذريعة إلى الخروج المحرم لذاته، مع العلم بأنه وسيلة منصوصٌ على تحريمها، ليست من قبيل الوسائل الاجتهادية التي يُستدل على وجوبها أو تحريمها بالقواعد والنصوص العامة، لكن على كل حال: يكون تحريمه من باب تحريم الوسائل، ومعلوم أن ما حُرّم لكونه وسيلة إلى محرّم فإنه يباح عند الحاجة، كالنظر إلى الأجنبية فإنه محرمٌ لكونه وسيلة إلى الزنا، ومع ذلك يباح عند الحاجة، كرؤية الطبيب والقاضي ونحوهما، على أن الشيخ الريّس قد أشار إلى هذه القاعدة لكن بصورة خاطئة، حيث قال: (حرمة خروج الشخص على حاكمه محرم لذاته بالنصوص الكثيرة، أما دعوة الناس للخروج على حاكمهم محرم لغيره وهو من باب الوسائل حتى لا يقع أولئك الناس الذين تحت حكمه في الخروج المحرم)، والحقيقة أن تحريم نقدِ الحاكم علناً وذكرِ معايبه ومساوئه محرمٌ تحريم الوسائل مطلقاً، سواء في حق حاكمه أو غيره من الحكام، فلا يختص هذا النوع من التحريم بحكام البلدان الأخرى على ما أشار إليه الشيخ، لكن مع كل هذا فلا حجة في هذه القاعدة أيضاً من عدة أوجه:
الوجه الأول: أنه يُورَد عليه ما أشرنا إليه في الردّ على استدلال الشيخ بالمصلحة وهو المذكور في النقطة الأولى من هذا الرد، وهو أن تقدير الحاجة لاستباحة هذا المحرم يمكن ادعاؤه في حاكم الإنسان نفسه وإمامه، إذ لا فرق في استباحة نقد الحاكم وعيبه للحاجة بين حاكم وحاكم، فكما يُمكن ادعاء هذه الحاجة في حكام البلدان الأخرى، فيُستباح نقدهم للحاجة المزعومة، يُمكن ادعاؤها أيضاً في حاكم الإنسان نفسه فيُستباح نقده بمثل تلك الحاجة، وهذا كما أشرنا إليه يفتح باب شرٍّ عظيم على المسلمين.
الوجه الثاني: أن حِلَّ المحرّم تحريم الوسيلة عند الحاجة، إنما يكون فيما إذا لم يمكن تحقيق تلك الحاجة إلا بفعل المحرم نفسه، كرؤية القاضي وجه المرأة في مجلس الحكم للحكم لها أو عليها، ورؤية الشاهد للمرأة التي يشهد لها أو عليها، وذلك لوجوب الحكم والشهادة على عينها، لكن متى ما أمكن تحصيل هذه الحاجة على وجه مباح، لم يجز حينئذٍ تحصيلها بالمحرّم، كما لو أمكن تطبيب المرأة بدون كشف شيء من عورتها، أو بمباشرة طبيبة لذلك، وعلى هذا فإن الحاجة إلى دفع إيغار صدور الشعوب على حاكمهم عند مدح آخرين، يمكن تحقيقه بغير ذلك من الوسائل الشرعية كنحو التنبيه على ما جاء في النصوص الشرعية من حقوق الولاة وواجبات الرعية، وذكر محاسن هؤلاء الحكام على النحو الذي أشرنا إليه آنفاً، ونحو ذلك.
سادساً: قد ذكر الشيخ الريّس –وفقنا الله وإياه لهداه- في آخر مقاله تخطئة من قال بالمنع من نقد الحكام المسلمين الآخرين كما يُمنع الإنسان من نقد حاكمه نفسه، فقال: (وبعض الناس يشدد ويقول: لا يجوز الكلام في حكام الآخرين كما لا يجوز الكلام في حاكم الرجل نفسه في بلده، وهذا خطأ، وينبغي أن يعيد النظرَ قائلُه؛ وذلك لأن المسلم إنما يبايع حاكمًا واحدا لا حاكمين فلا يستويان. وأقرّب هذا بمثال: لو قُدّر جدلاً أن حاكماً مسلماً في دولة أخرى بغى على دولة وأراد قتالها، وكان في المقدمة، فإنه يجب على من كان في البلد الذي بغي عليه فيها أن يواجه ذاك الحاكم ومن معه من جيشه، وأن يرد بغيهم ولو استدعى الأمر، ولو أن يُقتَل ذاك الحاكم-الباغي- وهو في مقدم الجيش؛ لقول الله تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9]، فلو قُدّر جدلاً أن رجلاً قال: لا يجوز أن تقاتل ذاك الحاكم الباغي؛ لأنه حاكم ويجب السمع والطاعة له؟ فيقال: إن مثل هذا لا يصح وإنما يجب السمع والطاعة له لمن هو تحت حكمه. هذا أذكره تأصيلاً وتوضيحًا) ا.ه. فأقول: إن هذا الكلام والمثال غير مستقيمين لأمور:
أولاً: أن المبادرة إلى تخطئة من يمنع من نقد حكام المسلمين عموماً، لا خصوص حاكمه، فيه تعجّل وجرأة، لأنه في حقيقته تخطئةٌ للنصوص وآثار السلف وفتوى العلماء المعاصرين، بل العكس هو الصواب، وهو تخطئة من جوّز ذلك، لكون هذا القول من الأقوال المحدثة التي لم يُسبق إليها حسب علمي، والفتنة التي أراد الشرع دفعها عن المسلمين بمنع نقد الحاكم علناً وعيبه، لا فرق بين فيها بين بلد وبلد، ولا بين حاكم وحاكم، فالعبد مأمور بدرء الفتنة عن المسلمين أينما كانوا، والعملِ على حقن دمائهم وجمع كلمتهم متى ما استطاع، ولا يخص هذا بلداً دون بلد.
ثانياً: أن تمثيله واستدلاله بجواز قتال الحاكم الباغي، على حِلِّ نقده، والتفريق في ذلك بين حاكمه وبين ذلك الحاكم خطأٌ في التصور والحكم؛ وذلك أن جمع كلمة المسلمين وعدم تفريق جماعتهم، وكفّ يد الإنسان ولسانه عنهم، لا يخص بلداً دون بلد، بل هو واجب على المسلم لجميع المسلمين أينما كانوا، فإن المسلمين أمة واحدة، فكما لا يحل للمسلم قتلُ بلديّه، كذلك لا يحل له قتل غير بلديّه، وكما لا يحلّ له التفريق بين أهل بلده، لا يحل له أيضاً التفريق بين غير أهل بلده، فهو حقٌّ عام، بخلاف طاعة المسلم للحاكم، فإنها تختص بمن انعقدت بيعته بالنسبة لذلك المسلم، ولا تعمّ غيره من المسلمين، فهو حق واجبٌ لمعيّن، ينتقل بتغيّر ذلك المعيّن. ويمكن التمثيل له بوجوب طاعة الإنسان لوالديه، فإنها حقوق متعلقة بعين والديه، وأما تحريم التحريش بين الولد ووالده فلا تخص والديه، بل تعم كل والد، نعم قد يتفاوت الإثم فيهما، إلا أن الجميع مشتركون في التحريم والإثم، وتفاوت الإثم ليس دليلاً على إباحة الأقل إثماً، فتحريم نقد الإنسان لحاكم من حكام المسلمين وعيبه محرمٌ، وإن كان نقده لحاكمه أشد حرمة، لكن هذا لا يُبيح تخطئة من حرّم الأمرين، وسوى بينهما في التحريم، فتنبه!
وأما ما جاء في الشرع من جواز دفع البغاة والصائلين، كما في الآية التي استدل بها الشيخ الريّس في مثاله، وكما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه حيث قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار». فإنها لا تعارض الأصل الذي ذكرناه، وهو: وجوب حفظ دماء المسلمين أينما كانوا، وصيانة أعراضهم، وجمع كلمتهم، وتحريم تفريق جماعتهم، لأن البغاة والصائلين إنما جاز دفعهم، ولو بالقتل، حال صيالهم وتعديهم، لا مطلقاً، ولا بمجرد توقّع الصيال والتعدي، فما جاء في الشرع مقيداً لم يجز إطلاقه، وما جاز مخصصاً لم يجز تعميمه.
فملخص مراد الشيخ الريّس بهذا المثال: الاستدلال على جواز نقد حاكم من حكام المسلمين بجواز دفعه إذا بغى!
فيا لله العجب! كيف يصح الاستدلال على هذه المسألة بمثل هذا المثال؟
وما حال الريّس في هذا النوع من الاستدلال، إلا كحال من يستدل على جواز غيبة المسلم بجواز دفعه إذا صال؟!
سابعاً: أن الشيخ الريّس –عفا الله عنا وعنه- وقع في أقبح مما عاب به على غيره، فإنه عاب على بعض الحركيين مدح بعض الحكام، وإطراءهم، والتنويه بأفعالهم ومواقفهم، بقصد تحسين صورتهم، وزَعَمَ أن هذا الفعل يُهيّج المسلمين الآخرين على حكامهم، ويحملهم على الزهد فيهم، وهي مفسدة مظنونة غير متحققة، فقام –عفا الله عنا وعنه- بأسوء مما قاموا به، وفَعَل ما هو أقبح مما فعلوا، حيث قام بأمرين:
الأول: نقدُ أولئك الحكام الممدوحين، وعيبهم وتتبع زلاتهم، ونشر مساوئهم، وهو محرمٌ ظاهرٌ، ومخالفةٌ صريحة للنصوص وآثار السلف وهدي العلماء، ومفسدةٌ متحققة، لا مظنونة.
الثاني: الغلوُّ في مدح من اختار مدحهم من الحكام، والإكثارُ من إطرائهم، حتى خرج بذلك عن الحدود الشرعية، وعن هدي العلماء السابقين والمعاصرين في هذا الباب، وهي مسألة تحتاج إلى مزيد بيان ليس هذا موضعه.
فحقيقة ما فعله الشيخ الريّس: أنه قام بدفع المفسدة المتوقعة المظنونة، بارتكاب مفسدتين اثنيتن متحققتين، أو على الأقل أحدهما متحققة والأخرى مظنونة، تربوان على تلك المفسدة المتوقعة المظنونة. فأيهما أحق بالنقد: الشيخ الريّس أم أولئك الحركيون؟! على أني لا أقول ذلك دفاعاً عن أولئك الحركيين، فإنهم قد عُرفوا بالانحراف عن منهج أهل السنّة والجماعة، والخروج عن جماعتهم، واتباع الأحزاب والتنظيمات المبتدعة، وأن مدحهم لمن اختاروا مدحه سببه التعصب الحزبي المبتدع، لا المدح المستحق، لكن ما أقصده هنا هو تطبيق هذه المسألة والمقارنة بين الفعلين على نحو مجرد مطلق.
ثامناً: عبّر الشيخ الريّس –وفقنا الله وإياه لطاعته- عن أفعاله وأفعال من شاركه في نقد بعض حكام بلدان المسلمين بـ «أهل السنّة»، فتراه يقول: (انبرى طائفة من أهل السنة)، (فإن كلام بعض أهل السنة في أمثال هؤلاء الحكام ليس عادة لهم)، (كلام بعض أهل السنة على بعض الحكام هو خلاف الأصل)، (إن أهل السنة لا يتكلمون في أردوغان لذاته)، ونحو ذلك، وهذا التعبير لا يناسب البحث في هذه المسألة بالخصوص لأمور:
الأمر الأول: أن هذا التعبير يُقصد به غالباً: من تقدّموا من علماء أهل السنّة والجماعة، فترى العالم يقول: (وقام أهل السنّة)، و(ردّ أهل السنّة) ونحو ذلك، يحكي ما فعله من سَبَقَه من علماء أهل السنّة، ولا يعني بذلك نفسه ومن شاركه في وقته، ولذلك لا تجد شيخ الإسلام ابن تيمية أو ابن القيم يعبّران عن فعلهما بمثل هذا التعبير، إلا حكاية عمن تقدّم.
الأمر الثاني: أن فيه إيهاماً للقارئ بأن المقصود به: العلماء، لأنهم المعنيون بمثل هذا التعبير عند الإطلاق، وهو خلاف الواقع، إذ إنه قولٌ لم يقل به أحدٌ من العلماء المتقدمين ولا من المعاصرين أهل الفتوى والتقدّم والرسوخ، وإنما هو اجتهاد من الشيخ الريّس ومن وافقه من الطلبة والدعاة، فيُخشى أن يكون استعمال هذا التعبير في هذه المسألة بالخصوص: تقويلٌ للعلماء ما لم يقولوه، بل ما صرحوا بالنهي عنه، كما سبق الإشارة إليه، وهذا أمرٌ ليس بالهيّن.
الأمر الثالث: أن استخدام هذا التعبير فيه نوع تزكية للمتكلّم، من جهة ربط قوله بالسنّة، ووسم فعله بفعل أهل السنّة، وهذا لو جاز فإنما يجوز في قولٍ أو فعلٍ اتفق عليهما أهل السنّة والجماعة، لا فيما تنازعوا فيه من الأقوال والأفعال، فكيف إذا كانت المسألةُ المعبّر عن فاعلها وقائلها بهذا التعبير مخالفةً لمنهج أهل السنّة والجماعة، ولصريح النصوص والآثار، ولذا كان الأولى أن يعبّر الشيخ الريّس بـ«طلبة العلم» أو «بعض الدعاة»، فيقول: (انبرى بعض طلبة العلم)، و(ردّ بعض طلبة العلم) ونحو ذلك، على أني قد بيّنت أن هذه المسألة ليست من شأن طلبة العلم فضلاً عن عموم الدعاة، بل هي لأولي الأمر من العلماء والأمراء أهل الشأن. قال ابن المبارك -رحمه الله-: (إن للعلم طغياناً كطغيان المال). [حلية الأولياء 5/55]
الأمر الرابع: أنه في حال ثبوت مخالفة المسألة المتنازع عليها لمنهج أهل السنّة والجماعة، وخطأ قائلها، وهو الحال في مسألتنا محل النزاع، يلزم حينئذٍ من استعمال هذا التعبير نسبة الخطأ إلى مذهب أهل السنّة والجماعة، لا المتكلّم والقائل، أو على الأقل: نسبة الخلاف في مذهب أهل السنّة والجماعة في عين هذه المسألة، وهو أمرٌ خطير، بأن تُنسب الأقوال الخاطئة إلى منهج أهل السنّة والجماعة، لا إلى الأشخاص.
وإني في ختام هذا الردّ والبحث، أدعو أخي الشيخ عبد العزيز الريّس -وفقه الله- إلى مراجعة ما كتب، والتأمل فيه، والرجوع عنه، بعد مراجعة أهل العلم وعرض ما قرره في مقاله عليهم، فهو -حفظه الله- قريب منهم في الرياض، ودار الإفتاء ليست عنه ببعيد، كما أنصحه وأنصح نفسي وغيري من طلبة العلم بعدم التصدّر في مسائل النوازل، لا سيما فيما يتعلق بالإمامة، والسياسة الشرعية، والعلاقات الدولية، فالواجب على الشيخ الريّس وعلى جميع طلبة العلم: سؤال أهل العلم، والصدور عن رأيهم، وعدم التقدم بشيء قبل مراجعتهم ومشورتهم، لا سيما في باب الإمامة، فإنه من أكثر الأبواب خطورة، لتعلقه بالأمن العام، والجماعة المسلمة، وهو بوابة الفتن لغير المتأهلين، وإني أعيذ الشيخ الريّس أن يسلك مسالك الحزبيين من جماعة الإخوان المسلمين والقطبيين وغيرهما ممن كثر خلطهم وخوضهم بالباطل في باب الإمامة لأغراض سياسية وحزبية.
كما أني أدعوه أيضاً إلى التأمل في المواضع الأخرى المنتقدة عليه، ومراجعة العلماء الأكابر فيها، ومباحثتهم، وهم قريبون منه، حتى يستبين له الحق من الباطل، والصواب من الخطأ.
والله أسأل أن يوفقنا وإياه للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يرزقنا الفهم وحسن الاتباع، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
كتبه/ فيصل بن قزار الجاسم
16 محرم 1440ه ، 26 سبتمبر 2018م