الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد ،،
فقد اطلعت على مقال لحمد سنان في جريدة الوطن بتاريخ 20/5/2006 تحت عنوان “محطات على طريق المقالات” فوجدته قد تكلم كثيراً وكثيراً بعد طول صمت كما يقول، وليته استمر في سكوته، بدلاً من تلبيسه الحق بالباطل، وخوضه فيما يخالف الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة. وكلامي معه ومع من يوافقه في معتقده سيكون مستنداً إلى الدليل من الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين، وإلى الأصول والقواعد الشرعية المأخوذة من الوحيين. فأقول مستعيناً بالله :
[أولاً: مدحك للصوفية ]
وقولك “لست صوفياً وإن شرفني أن أنسب إليها أو أن أصنف من متبعيها أو موافقيها، كيف لا ولهم من المناقب والمحامد ما ينحدر عنه السيل، ولا يرتقي إليه الطير؟!” فلي معك وقفات :
الأولى : أننا لما حكمنا على الصوفية والتصوف بالضلال والانحراف، لم نحكم به إلا من واقع حالهم، ومما سطرته أقلامهم في كتبهم، ولم نأت بشيء نفتريه من عند أنفسنا، كيف وقد حرم الله عز وجل ذلك، وهذا هو الإنصاف في الحكم على الأشخاص والطوائف، ولعلي أن أسوق بعض كلام الصوفية من كتبهم وأدع القارئ يحكم بنفسه، ويزن أقوالهم بما يعرف من ضروريات الإسلام :
فإذا نظرت إلى عقيدتهم في الله، فأعلى المقامات عندهم هو أن يتحد الخالق والمخلوق حتى يصيرا شيئاً واحداً، وليس هذا القول قول بعضهم، بل هو مما استقر عليه مذهبهم، وتأمل ما يقوله الغزالي الذي سماه حمد سنان بحجة الإسلام في كتابه “إحياء علوم الدين” : (للتوحيد مراتب ….. والرابعة: أن لا يرى في الوجود إلا واحداً، وهي مشاهدة الصديقين وتسمية الصوفية الفناء في التوحيد، لأنه من حيث لا يرى إلا واحداً فلا يرى نفسه أيضاً، وإذا لم ير نفسه لكونه مستغرقاً بالتوحيد كان فانياً عن نفسه في توحيده، بمعنى أنه فني عن رؤية نفسه والخلق …. ثم يتكلم عن مراتب الوحدين في كل مرتبة فيقول : والرابع موحد بمعنى أنه لم يحضر في شهوده غير الواحد ، فلا يرى الكل من حيث أنه كثير ، بل من حيث أنه واحد ، وهذه هي الغاية القصوى في التوحيد . فإن قلت: كيف يتصور أن لا يشاهد إلا واحد وهو يشاهد السماء والأرض وسائر الأجسام المحسوسة وهي كثيرة، فكيف يكون الكثير واحداً؟ فاعلم أن هذه غاية علوم المكاشفات. وأسرار هذا العلم لا يجوز أن تسطر في كتاب، فقد قال العارفون: إفشاء سر الربوبية كفر ). وقال ابن عربي الملحد والذي يقول عنه محمد عبد الغفار الشريف أنه طود شامخ وإمام عظيم ويلقبه بالشيخ الأكبر، فتأمل ما يقول في بيان أن لا فرق بين الخالق والمخلوق في كتابه “فصوص الحكم” : (إن الله لا ينزه عن شيء، لأن كل شيء هو عينه وذاته، وأن من نزهه عن الموجودات قد جهل الله ولم يعرفه، أي جهل ذاته ونفسه… إلى أن قال: اعلم أن التنـزيه عن أهل الحقائق في الجانب الإلهي عين التحديد والتقييد فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب). وقال أيضاً : (ومن أسمائه العلي: على من، وما ثم إلا هو، فهو العلي لذاته أو عن ماذا ؟ وما هو إلا هو، فعلوّه لنفسه، ومن حيث الوجود فهو عين الموجودات فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليس إلا هو) . فانظر أيها القارئ عقيدة أمام الصوفية الأكبر والملقب بالكبريت الأحمر، الذي يجعل كل شيء في الوجود هو الله، وهذا الذي يسميه الغزالي “سر الربوبية”.
وأما عقيدتهم في النبي r فقد قال البيطار في كتاب النفحات الأقدسية : (شأن محمد في جميع تصرفاته شأن الله ، فما الوجود إلا محمد … إلى أن قال : لا يُدرى لحقيقته غاية ، ولا يُعلم لها نهاية ، فهو من الغيب الذي نؤمن به). وقال عمر الفوني في “رماح حزب الرحيم”: ( إنه r يحضر كل مجلس، أو مكان أراد بجسده وروحه، وإنه يتصرف، ويسير كيف شاء في أقطار الأرض والملكوت ).
وأما عقيدتهم في الأولياء فأعجب العجب، إذ جعلوا للولي صفات الله تبارك وتعالى عما يقولونه علواً كبيرا . ورئيس الأولياء عندهم الملقب بالقطب الأكبر أو الغوث، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء ويعينه أربعة أوتاد، لكل ربع من العالم وتد، ثم الأبدال السبعة لكل قارة واحد ، ثم النجباء وهم سبعون ثم النقباء وهم ثلاثمائة لكل مدينة واحد. قال التيجاني صاحب الطريقة التيجانية المشهورة في المغرب الإسلامي عن القطب الأكبر: ( إن حقيقة القطبانية، هي الخلافة العظمى عن الحق مطلقاً في جميع الوجود جملة وتفصيلاً) (جواهر المعاني لعلي بن حرازم). ويقول عبد العزيز بن مسعود الدباغ في “الإبريز” عن الولي عند الصوفية: ( رأيت ولياً بلغ مقاماً عظيماً، وهو أنه يشاهد المخلوقات الناطقة والصامتة، والوحوش والحشرات والسماوات ونجومها والأرضين، وكرة العالم بأسرها تستمد منه، ويسمع أصواتها وكلامها في لحظة واحدة، ويمد كل واحد بما يحتاجه، ويعطيه ما يصلحه من غير أن يشغله هذا عن ذاك ). وقال ابن عربي في الفصوص : ( قال أبو السعود “إن الله أعطاني التصرف منذ خمس عشر سنة ، وتركناه تظرفاً ” ويعلق ابن عربي : وأما نحن ، فما تركناه تظرفاً وإنما تركناه لكمال المعرفة ). وقال علي بن حرازم في “جواهر المعاني” متحدثاً عن الولي الذي استخلفه الله : (إنه خليفة يملكه الله كلمة التكوين متى قال للشيء : كن ، كان من حينه ). وقال أيضاً عن شيوخهم وأوليائهم بأن لهم : (التصرف التام والحكم الشامل العام في جميع المملكة الإلهية، وله بحسب ذلك الأمر والنهي والتقرير والتوبيخ والحمد والذم ). والأولياء عندهم يحيون الموتى، فقد ذكر القشيري عن التستري أنه قال : (إن الذاكر لله على الحقيقة لو هم أن يحيي الموتى لفعل). وقال يوسف بن الحسين الرازي كما في طبقات الصوفية للسلمي: (نظرت في آفات الخلف، فعرفت من أين أتوا، ورأيت آفة الصوفية في صحبة الأحداث، ومعاشرة الأضداد، وأرقاق النسوان ). وقال أيضاً في المصدر نفسه: (عاهدت ربي أكثر من مائة مرة، ألا أصحب حدثاً، ففسخها على حسن الخدود، وقوام القدود، وغنج العيون، وما سألني الله تعالى معهم عن معصية). ويقول الشعراني في طبقات الصوفية عن أحد أوليائهم وهو أبو خودة: (وكان رضي الله عنه إذا رأى امرأة، أو أمرداً راوده عن نفسه، وحسس على مقعدته سواء كان ابن أمير أو ابن وزير ولو كان بحضرة والده أو غيره، ولا يلتفت إلى الناس). والأمثلة على هذا الانحراف والفساد في أقوالهم كثيرة، وكلامهم جداً في الدعوة إلى الشرك بالله والاستغاثة بالأموات وغير ذلك كثير، لا يسع المجال لذكره، هذا هو كلامهم من كتبهم المعتمدة والمشهورة، لم نأت بشيء من عند أنفسنا.
الثانية : أننا لم ننفرد نحن فقط بالحكم على الصوفية بالضلال، بل قد سبقنا إليه من هم أخبر بحالهم منا. وأنا أكتفي هنا بنقل بعض كلام السلف دون من بعدهم حتى يقف القارئ على حقيقة الصوفية. قال الشافعي : ( لو أن رجلاً تصوف أول النهار ، لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق ). وقال : (ما لزم أحد الصوفيين أربعين يوماً فعاد عقله أبداً). وقال عبد الملك بن زياد النصيبي : (كنا عند مالك فذكرت له صوفيين في بلادنا فقلت له: يلبسون فواخر ثياب اليمن ويفعلون كذا. قال: ويحك ومسلمين هم). وقال وكيع : (سمعت سفيان يقول : سمعت عاصماً يقول : ما زلنا نعرف الصوفية بالحماق إلا أنهم يستترون بالحديث). وقال عاصم : (قال لي وكيع: لم تركت حديث هشام. قلت : صحبت قوما من الصوفية، وكنت بهم معجباً. فقالوا : إن لم تمح حديث هشام قاطعناك. فأطعتم. قال إن فيهم حمقاً ). وقال يحيى بن يحيى : (الخوارج أحب إلي من الصوفية). وحذر أحمد من مجالستهم وقد سمع كلام الحارث المحاسبي وهو من كبار الصوفية فقال لصاحب له : (لا أرى لك أن تجالسهم). وقال لآخر (إياك والحارث المحاسبي –كررها ثلاثاً ). وقال سعيد بن عمرو البردعي : شهدت أبا زرعة وسئل عن الحارث المحاسبي وكتبه فقال للسائل : (إياك وهذه الكتب هذه الكتب كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر فانك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب. قيل له : في هذه الكتب عبرة . قال : من لم يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة ، بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمة صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء، هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم يأتوننا مرة بالحارث المحاسبي، ومرة بعبد الرحيم الدبيلي، ومرة بحاتم الأصم، ومرة بشقيق، ثم قال : ما أسرع الناس إلى البدع) فهذا كلام أئمة السلف، فهل تراهم افتروا على الصوفية ؟؟.
الثالث : أما تسميتك الحسن البصري والفضيل بن عياض ونور الدين محمود زنكي والنووي وغيرهم ممن ذكرت، وعدك لهم من الصوفية، فأقول لك بصوت عالٍ (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) فليتك تروي لنا بالإسناد الصحيح عن أحد هؤلاء أنه قال : أنا صوفي. فإدخالك لمن شئت من العلماء في الصوفية، بهتان وافتراء، وستسأل عنه يوم القيامة، فأعد للسؤال جواباً. وكل دعوى لا بينة عليها فأصحابها أدعياء. ولا تكون معذوراً في أن فلان أو فلان ذكرهم في الصوفية، فهذا ليس بطريق تثبت به اعتقادات الناس، فضلاً عن الأئمة والعلماء.
الرابع : أما ما نقلته عن الشاطبي رحمه الله، فأقول لك : يا شيخ اتق الله، ولا تلبس على الناس، وكن صادقاً في النقل، ودع عنك التدليس، بل الكذب، فإن ما نقلته ليس كلام الشاطبي، وإنما كلام أبي القاسم القشيري شيخ الصوفية. ولو أنك راجعت الاعتصام بنفسك لاتضح لك ذلك، لكن المصيبة أن كثيراً من الصوفية والجهال، إنما يعتمدون في عقائدهم، على ما نقله غيرهم، من غير تمحيص ولا اطلاع.
الخامس : أقول لك ولكل صوفي، هل التصوف وتعاليم التصوف أمر جاء به النبي r وعلمه أمته، أم أمر حدث بعده، فإن قلت : أمر شرعه النبي r فقل إذاً أن النبي r صوفي، بل أول الصوفية، وكفى بهذا القول ضلالاً، نعوذ بالله من الخذلان، وإن قلت : لا إنما حدث بعده ، فهذا تصريح منك بأنه محدث ليس من طريقة النبي r ولا أصحابه.
السادس : أننا لا نعرف اليوم تصوفاً خالياً عن البدع أو الشركيات، بل لا نعرف إلا من هم على معتقد من سبق أن ذكرت لك بعض كلامهم واعتقاداتهم، فإن كنت تخالفهم، فليتك تصرح بذلك، وتحكم بالضلال على ابن عربي وأبي يزيد البسطامي والدباغ والشعراني والبدوي وغيرهم من أئمة التصوف، وليتك تنكر ما يفعله الصوفية من الاستغاثة بالأموات وتحكم فيه بالكفر والشرك لأنه عبادة غير الله، وتنكر عليهم البناء على القبور واتخاذها مساجد، والرقص والغناء والأعمال الشيطانية من الضرب بالسيف، وبودنا أن نسمع حكمك في الطرق المشهورة كالرفاعية والتيجانية والدسوقية والشاذلية والأحمدية والنقشبندية والبريلوية وغيرهاّ. كل هذا ليتضح لكل قارئ أنك إنما تقصد تصوفاً مخالفاً للتصوف الموجود. ولا يخفى عليك ما قاله من يثني عليه أصحابك مثل يوسف الشراح وغيرهم، ويدافعون عنه وهو الصوفي اليمني علي الجفري : من أن النبي r يغيث مليون في لحظة واحدة، وأن الأولياء يتصرفون في الملكوت، ويدخلون الجنة من شاءوا، وأن الولي يخلق الجنين في رحم المرأة وغير ذلك، ولعلي أن أحيل القارئ إلى شريط “الترحيب بالجفري” للشيخ حسن القاري. فإنه يبين للناس ما يخفيه دعاة التصوف من العقائد المنحرفة.
[ تقولك على شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب ]
قولك : ( فالإجماع منعقد بالأدلة والبراهين على القول الراجح بأن الطواف على القبور حرام خلافاً لمن قال بأن الطواف حول القبور شرك ..وهو قول ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب ). وهذا فيه افتراء على هؤلاء العلماء الثلاثة، فأين وجدتهم يقولون بأن الطواف بالقبور شرك مطلقاً، فليتك تحيلني إلى مواضع كلامهم التي صرحوا فيها بأن الطواف بالقبور شرك أكبر من غير تفصيل. والظن بك أنك لم تقرأ لشيخ الإسلام ابن تيمية ولا لابن القيم ولا لمحمد بن عبد الوهاب، وإنما تقول ذلك مقلداً لغيرك، والاعتراف بالخطأ خير من التمادي في الباطل. وأما هؤلاء الثلاثة فيقولون بأن الطواف بالقبور بدعة منكرة وكبيرة من كبائر الذنوب، وابتداع دين لم يأذن به الله، ووسيلة إلى الشرك بالله، هذا فيما إذا طاف متعبداً لله ظاناً أن الطواف بالقبور مما يحبه الله كما يحب أن يُطاف بالبيت، وأما إن قصد الطائف بالقبر التقرب إلى الميت، فهذا شرك أكبر وعبادة لغير الله، إذ الطواف عبادة لله، وفعله لغيره عبادة لذلك الغير، وقلما يسلم منه من يطوف بالقبور. هذا هو قولهم المفصل. وهذا ما قرره الشيخ الفوزان وابن باز واللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية. لكن أين من يتجرد عن الهوى، وينفك عن تقليد وتقديس الرجال الذي هو دين الصوفية. وكون الطواف بالقبور محرم وكبيرة ووسيلة إلى الشرك، يستلزم التغليظ فيه وعدم التساهل في أمر عظمت الشريعة النكير فيه، ألا وهو باب وسائل الشرك بالله، والطرق المفضية إليه. فقد حرمت الشريعة البناء على القبر والكتابة عليه والزيادة عليه من تراب غير ، ورفعه عن القبور ولو من غير بناء ،ونهت عن الصلاة في المقبرة، ولعن النبي r من يتخذون القبور مساجد، وقال بأنهم شرار الخلق عند الله، كل هذا حماية لجناب التوحيد، وسداً لطرق الشرك وذرائعه. فتأمل هذا، وقارن بينه وبين من يهون فيه، بل ويفتري بالقول بأن هناك من قال بكراهة الطواف بالقبور فقط!!.
[ كلامك عن المولد وتناقضك في كلامك ]
لقد قلت كلمة جميلة أفرحتني، وقلت الحمد لله أن وفقه الله إليها، ولكن وللأسف سرعان ما نقضتها وخالفتها، فأصابني ذلك بالحزن ، وتبين لي كما أعلمه عن كثير ممن ينتحل هذا المذهب، أنهم يقولون ما لا يفقهون . وأنا أترك القارئ ليحكم بيني وبينك. فقد قلت في أول المقال في ذكر أسباب إلغاء الرأي المخالف : (ثانيها : تقديس الرجال .. وهي طامة الطامات ومعضلة المعضلات، ويرجع تقديس الرجال إلى الانبهار بالأشخاص والألقاب وعدم تصور طروء الغلط على غالب أقوال متبعيهم، وإن كان هذا التصور لازماً في أقوال مخالفيهم.. والغريب أن أشد من ينهى عن تقديس الرجال هم أكثر الناس وقوعاً به .. فلو قلت له قال فلان : قال ما دليلك ؟ وإن قلت له ما دليلك ؟ قال : قال فلان ) كلام جميل، ولكن يا ترى هل التزمه وجعل المرد عند التنازع الدليل، أم أنه وقع في عين عاب عليه وهو إذا قيل للشخص : ما دليلك ؟ قال : قال فلان. الجواب في قوله : (وإليك نموذجاً على إلغاء القول الآخر الظاهر الرجحان!!! سئل أحد كبار العلماء عن حكم الاحتفال بالمولد فأجاب : بأن الاحتفال بالمولد بدعة، وأنه ليس من الإسلام في شيء؟؟! لو سألنا فضيلة الشيخ وأتباعه ماذا تقولون بإمامة ابن حجر والنووي والسيوطي والسخاوي وابن كثير وغيرهم ممن يقولون بجواز المولد ؟؟! فإن أقررتم فسنقول وكيف يقر من أقررتم بإمامتهم ما ليس من الإسلام في شيء ؟؟ وإليك طائفة من أقوالهم …) فها هو حمد سنان يستدل على من يخالفه لما طالبه بالدليل على جواز التعبد بالمولد وهو أمر لم يتعبد به النبي r ولا أصحابه ولا السلف، فكان جوابه : قال فلان!!!! فكيف تعيب على الناس أمراً أنت واقع به؟ . ولا أدري هل يعتبر حمد سنان وشيخه السوري حسن هيتو وأصحابه أن من أصول أدلة الأحكام في كتب أصول الفقه : قول فلان وفلان من العلماء. ما سمعنا بهذا ولا نعرف قائلاً به سواهم.
[ حسن بن فرحان المالكي ]
أما إحالتك الشيخ جاسم مهلهل والقارئ إلى كتاب (داعية وليس نبياً) لحسن بن فرحان المالكي. فهو أمر يكشف عن حقيقة المنهج الذي تسير عليه في تقييم الرجال والدعوات، وهو الاعتماد على المخالف في الحكم. وهذا خلل في المنهج والتقييم، فإن أردت أن تعرف عقيدة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، فدونك كتب الشيخ تأملها وابحث فيها، ولا تحتاج إلى الحكم عليه بما كتبه من ولد بعد موت الشيخ بمائتي سنة، ممن لا يعرف بعلم. وقد قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) فالحكم على الرجال والدعوات إنما يكون بما قالوه وكتبوه، ونحن عندما تكلمنا على الصوفية، إنما حكمنا عليهم من واقع كتبهم، لا مما كتبه عنه غيرهم. فانظر إلى الفرق بين المنهجين، بين منهج أهل السنة والجماعة، وبين منهج الصوفية وأهل الكلام.
[ قبول الرأي الآخر ]
الرأي الآخر إنما يُقبل إذا كان في مسألة اجتهادية، للنظر فيها مجال، وليس كل خلاف معتبر، بل ما فيه حظ من النظر، أما ما خالف الدليل من الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة، فلا يعد رأياً آخر، بل هو داخل في المنكر الذي قال فيه النبي r : (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ..) الحديث. ولذلك لم يعتبر السلف كل مخالفة رأياً محترماً، بل أنكروا على كل من خالف الدليل. فها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب صبيغ بن عسل ويأمر بهجره، لما كان يخوض في مسائل من المتشابهات. وها هو الشافعي رحمه الله يقول في أهل الكلام الخائضين في صفات الله بعقولهم الفاسدة : (حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في البلدان ) ولم يعتبر مخالفتهم للسلف في الأسماء والصفات وأبواب الاعتقاد رأياً محترماً. وها هو الإمام أحمد لما بلغه عن الفقيه أبي ثور أنه يقول بجواز نكاح المجوسيات قياساً على أخذ الجزية منهم : (أبو ثور كاسمه). وقد حذر الإمام أحمد من الحارث المحاسبي شيخ الصوفية في عصره، وأمر بهجره، ولم يعتبر رأيه محترماً. قال ابن الجوزي في “تلبيس إبليس” في إنكار السلف على أئمة الصوفية وطردهم من البلاد : (وقد ذكرنا في أول ردنا على الصوفية من هذا الكتاب أن الفقهاء بمصر أنكروا على ذي النون ما كان يتكلم به ، وببسطام على أبي يزيد وأخرجوه، وأخرجوا أبا سليمان الداراني، وهرب من أيديهم أحمد بن أبي الحواري وسهل التستري، وذلك لأن السلف كانوا ينفرون من أدنى بدعة ويهجرون عليها تمسكاً بالسنة) . ففرق إذاً بين قول له حظ من الدليل والنظر، وبين قول مخالف للدليل وعمل السلف. وقد اتفق العلماء على أن حكم القاضي يُنقض إذا خالف كتاباً أو سنة، وإن وافق فيه بعض العلماء. قال ابن القيم في إعلام الموقعين : ( قولهم إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح ، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول والفتوى أو العمل ، أما الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعا شائعا وجب إنكاره اتفاقاً ، وإن لم يكن كذلك فإن بيان ضعفه ومخالفته للدليل إنكار مثله ، وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره بحسب درجات الإنكار… إلى إن قال : وإذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغٌ لم ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً ، وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد ، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ممن ليس لهم تحقيق في العلم ، والصواب ماعليه الأئمة ).
[ أنتم من خاض في أمور العقيدة بالباطل علناً فلا تلومونا إن رددنا عليكم]
دعوتك المشائخ بأن يتقوا الله في عقول العوام، ليتك توجهها إلى من ابتدأ الكلام، والخوض في العقائد بالباطل في القنوات التلفزيونية والإذاعية، فنحن لم نبتدأ أحداً، وإنما رددنا على ما يدندن حوله البعض من الدعوة إلى مخالفة الكتاب والسنة، والتهوين من أمر الشرك بالله ووسائله. فكيف تلومنا على توضيح الخطأ والنصيحة للمسلمين، ولا تلوم من يقرر علناً الأقوال المنحرفة، والعقائد الفاسدة.
وفي الختام أقول: إننا لم نسمع ممن تكلموا دفاعاً عن محمد عبد الغفار الشريف تقعيداً وتحريراً للمسائل التي دار حولها الخلاف، فإنهم لم يستدلوا على أقوالهم بالكتاب أو السنة أو عمل سلف الأمة، وإنما رأيناهم يدندنون حول أمور مستدلين عليها بأقوال الرجال، يكررها كل واحد منهم، يأخذها الآخر عن الأول، والمعلوم كما ذكر حمد سنان نفسه أن الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يُعرف الرجال بالحق. فتأمل أخي القارئ من الذي يقرر المسائل بالأدلة من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، ومن الذي يقول : قال فلان وقال فلان وقال فلان. وهذا يُنبئك عن المنهج الذي يسير عليه بعض الناس من تقليد دينهم الرجال، معرضين عن قوله تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر. ذلك خير وأحسن تأويلا). وقوله (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) لا إلى الرجال.
هذا ما وددت التنبيه عليه، وإن كانت المؤاخذات على كلامه كثيرة، لكن لعل في هذا كفاية ومقنع لطالب الحق. فإن أصبت فمن الله وحده، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.