الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
فإن محمد العيسى، عرّاب الإسلام الجديد، ماض في تعزيز مبادئ الدين الجديد بتقرير جواز تهنئة الكفار بجميع أنواعهم-كتابيهم ووثنيهم-بأعيادهم الدينية،زاعمًا أن حكم التهنئة من مسائل الاجتهاد لا من مسائل النص والإجماع، وقد أتى بتحريفات، وليٍّ للقواعد والدلائل، لا تُستغرب من أمثاله، ممن امتطوا مركب التغيير والتحريف.
ويكفي قاصد للحق أن يعلم أن تحريم تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية أمرٌ متفق عليه بين العلماء السابقين، كما اتفقت عليه المذاهب المتبوعة.
قال ابن القيم -رحمه الله-: (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك،أو تهْنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر، فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثما) [أحكام أهل الذمة ١/٢٩٣].
فالعلماء متفقون على حرمة التهنئة بأعياد الكفار الدينية، ومختلفون في التكفير بها، والحكم بالتكفير -لمن قال به- مبني على ما تتضمنه التهنئة من الرضا والإقرار، وهو ضد مايجب من البراءة والإنكار.
وادعاؤه وجود من أفتى بجواز التهنئة من كبار علماء العالم الإسلامي باطل، لكونه قولًا محدثًا جديدًا قد سبقه الاجماع والاتفاق، ولايخفى على أدنى طالب علم أن الخلاف اللاحق لا يرفع الإجماع السابق، والعيسى عاجز عن النقل عن الأئمة المتبوعين، والعلماء المرضيين، في تجويز التهنئة، لكنّه قادر على إطلاق الدعاوى.
وأما ادعاؤه عدم وجود نص شرعي يمنع من التهنئة، فإنْ عَنَى إسلامه الجديد فنعم، وأما الإسلام العتيق فالنصوص فيه أكثر من أن تحصر، ويكفي الرجوع إلى كلام العلماء في أبواب الردة، فضلًا عن الكتب المفردة في هذه المسائل، ككتاب “اقتضاء الصراط المستقيم” لابن تيمية، و”أحكام أهل الذمة” لابن القيم وغيرها.
ويكفي أن يعرف المسلم أن النبي ﷺ نهانا عن بداءة الكفار بالسلام، وشرع لنا مخالفتهم فيما ليس من فعلهم كتغيير الشيب، فضلًا عما هو من خصائص دينهم كأعيادهم، أو دنياهم كلباسهم، وربط النبي ﷺ ظهورالإسلام بمخالفة الكفار، فقال: (لايزال الدين ظاهرا ما عجَّل الناس الفطر،فإن اليهود والنصارى يؤخرون)، ونهانا عن الإقامة في ديارهم، فقال: (أنا برىء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين)، وشرع لنا إلزام من يستوطن من الكفار بلاد الإسلام بأحكام الصغار، بتغيير لباسهم ومراكبهم وهيئاتهم عن المسلمين، كما فعله عمر رضي الله عنه في خلافته، ووافقه الصحابة رضي الله عنهم، وسار عليه المسلمون بعدهم.
وأما زعمه أن ترك النبي ﷺ التهنئة لايدل على المنع لكونها من المباحات، وتركُ المباحات لا يدل على المنع، فهذامن الهذيان، لأن التهنئة المقصودة بالمنع ما كانت على عيد ديني، والأعياد الدينية من الشرائع، كعيدي الأضحى والفطر، فإنهما من شرائع الإسلام لا من مباحاته،بخلاف التهنئة على أمر دنيوي، كالولد، والزواج، ونحو ذلك.
وأما ادعاؤه وجود المصلحة في التهنئة وخلوها عن المفسدة، فهو ضدُّ ما جاءت به الشريعة، وخلاف ما قام عليه دين الإسلام، لأن الإسلام قائم على البراءة من جميع الأديان، وتكفير أهلها، والتميّز عنهم، ومخالفتهم، ومفارقتهم، وجهادهم، وهو معنى الكفر بالطاغوت الذي هو شطر كلمة التوحيد، وركنها الأول، والتهنئة إقرار ورضا.
وأما زعمه أن تحريم التهنئة إنما هو من باب سد الذرائع، فيباح للمصلحة الراجحة، فأمرٌ لا ينقضي منه العجب، وحقيقة قوله أنَّ الكفر بالطاغوت، إنما شُرع من باب سد الذرائع، وعليه فيباح إظهار الرضا بالطاغوت، والإيمان به للمصلحة الراجحة!! وهل التزام هذا إلا مروق من الإسلام ونبذ له.
نعم،لو قال: مشابهتهم في الهدي الظاهر محرم تحريم الوسائل والذرائع، كمشابهتهم في لباسهم، وشعورهم، ونحو ذلك، لكونه مدعاة لموافقتهم في الباطن، لكان له وجه، وأما إظهار الرضى بدينهم، كتهنئتهم بعيدهم الديني، وترك البراءة من عقيدتهم وشعائرهم الدينية، فلا شك أنه محرم لذاته، لأنه من أصل الإسلام والتوحيد.
وأما المصلحة الراجحة التي ادعاها في تجويز التهنئة، وهي تعزيز التعايش والوئام مع الكفار وخصوم الإسلام، وتحقيق الاندماج مع المجتمعات الكافرة فهو بيت القصيد، وهو لب دعوة العيسى، ومحور نشاطاته، وهو الأصل الي بنى عليه إسلامه الجديد القائم على إهمال عقيدة البراءة من الكفار، والتهوين من أصل الكفر بالطاغوت.
وبناء عل ما سبق، فإني أكرر نصيحتي للمسلمين جميعا، بأن يحذروا من دعوة محمد العيسى وأمثاله، وأن يتمسكوا بالإسلام العتيق المبني على الدلائل والنصوص، المتلقى من أهل العلم والتقى والفضل، المدون في دواوين الإسلام ومجاميعه، فلا جديد في أحكام الإسلام، ولا تجديد في عقيدته وأصوله وقواعده ومبادئه.
والله أعلم، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.