الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،
فهذا بحث مختصر يقوم على عرض واقع التصوف المتأخر والمتمثِّل بالطرق الصوفية، على طريقة أئمة الصوفية المتقدمين، والغرض منه بيان مباينة طريقة متأخري الصوفية عن طريقة متقدميهم.
وقد اخترت الطريقة النقشبندية لتكون نموذجاً يمثل التصوف المتأخر، وقمت بتعريف مصطلحي: «سلف الصوفية» و«خَلَف الصوفية»، وعرضت معتقد وطريقة الفريقين مدعماً بالنقولات من كتبهم، ثم قمت بعرض طريقة خَلَف الصوفية -ويمثِّلهم النقشبنديون- على طريقة سلف الصوفية المتقدمين.
ولم أُرِد استيعاب جميع الجوانب العقدية أو العملية بين الفريقين، بل اكتفيت بأهمها، كمصدر التلقّي، والتوحيد، والعلم، والاتباع، والموقف من البدع والمحدثات، لأنها أصول الدين، فالخطأ فيها والزلل ليس كالخطأ في غيرها، ولذا لم أُعرِّج على ما يُعرف بشطحات الصوفية، كالرقص، والمشي في الهواء، وضرب السكاكين، لأنها ليست بأعظم من التوحيد، ولأنها فرع عن مصدر التلقّي والاتباع.
وفي نهاية البحث ختمت بخاتمة تُمثِّل النتيجة التي توصلت إليها من خلال هذا العرض.
والحمد لله رب العالمين.
ماذا نعني بـ«التصوف»؟
جاء في الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة في تعريف الصوفية: (التصوُّف: حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنـزعاتٍ فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة كرد فعل مضادٍّ للانغماس في الترف الحضاري. ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقاً مميزة معروفة باسم الصوفية، ويتوخّى المتصوفة تربية النفس والسموِّ بها بغية الوصول إلى معرفة الله – تعالى -بالكشف والمشاهدة، لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية، ولذا جنحوا في المسار حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الوثنية: الهندية والفارسية واليونانية المختلفة)[1].
وقال ابن الجوزي: (والتصوف طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلي، ثم ترخَّص المنتسبون إليها بالسماع والرقص، فمال إليهم طلاب الآخرة من العوام لما يُظهرونه من التزهَّد، ومال إليهم طلاب الدنيا لما يرون عندهم من الراحة واللعب)[2].
وقد قال الجنيد في تعريف التصوف: (الخروج عن كلِّ خلقٍ رديء، والدخول في كل خلقٍ سنّي)[3].
وقال في موضع آخر: (التصوف تصفية القلب عن موافقة البرية، ومفارقة الأخلاق الطبعية، وإخماد الصفات البشرية، ومجانبة الدواعي النفسانية، ومنازلة الصفات الربانية، والتعلق بعلوم الحقيقة، واتباع الرسول في الشريعة)[4].
وأما مبدأ التصوف فقد قال ابن الجوزي فيه: (كانت النسبة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان والإسلام. فيُقال: مسلم ومؤمن، ثم حدث اسم زاهد وعابد، ثم نشأ أقوامٌ تعلَّقوا بالزهد والتعبّد، فتخلّوا عن الدنيا، وانقطعوا إلى العبادة، واتّخذوا في ذلك طريقة تفرّدوا بها، وأخلاقاً تخلَّقوا بها، ورأوا أن أوَّل من انفرد به بخدمة الله – سبحانه وتعالى – عند بيته الحرام رجلٌ يُقال له: صوفة، واسمه الغوث بن مر فانتسبوا إليه لمشابهتهم إيّاه في الانقطاع إلى الله – سبحانه وتعالى – فسُمُّوا بالصوفية)[5].
وخلاصة القول أن التصوف ظاهرة يراد بها التعبد لله – تعالى -، والزهد في الدنيا، والمبالغة في ذلك، وكانت بمثابة ردة فعل لما حصل من انغماس الناس في الدنيا في أواخر القرن الثاني وأوائل الثالث، ثم تطوّر الأمر إلى دخول البدع وتطرقها إلى الصوفية نتيجة قلة اعتنائهم بالعلم.
ولذلك قال ابن الجوزي: (وكان أصل تلبيسه عليهم أن صدهم عن العلم، وأراهم أن المقصود العمل، فلما انطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات)[6].
ماذا نعني بـ«الطرق الصوفية»؟
قال عبد الرحمن عبد الخالق: (الطريقة الصوفية تعني أولاً النسبة إلى شيخ يزعم لنفسه الترقّي في ميادين التصوف، والوصول إلى رتبة الشيخ المربِّي. ويدّعي لنفسه بالطبع رتبة صوفية من مراتب الأولياء عند الصوفية كالقطب والغوث والوتد والبَدَل…إلخ.
ولا بد أن يكون من أهل الكرامات والمكاشفات، ويكون له بالطبع ذكرٌ خاص به… )[7].
وأوّل من أظهر الطرق الصوفية أبو سعيد محمد أحمد الميهمي الصوفي الإيراني تلميذ أبي عبد الرحمن السلمي.
فقد جاء في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة في مبادئ ظهور الطرق الصوفية: (وضع أبو سعيد محمد أحمد الميهمي الصوفي الإيراني (357 ـ 430هـ) تلميذ أبي عبد الرحمن السلمي أوّل هيكل تنظيمي للطرق الصوفية بجعله متسلسلاً عن طريق الوراثة)[8].
وجاء فيها أيضاً: (يمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي)[9].
من هم سلف الصوفية؟
سلف الصوفية هم أوائلهم الذين كانوا على جادة السنَّة، الذين عاصروا السلف، وأخذوا عنهم العلم، وقد ذكر أبو القاسم القشيري أئمة الصوفية المتقدمين ومشائخهم فعدَّ منهم: إبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض، ومعروف الكرخي، وسري السقطي، وبشر الحافي، والحارث المحاسبي وسهل التستري، والجنيد بن محد، وعمرو بن عثمان، وغيرهم إلى أن انتهى بأبي عبد الله بن أحمد بن عطاء الروذباري المتوفى سنة ست وتسعين وثلاثمائة[10].
وعلى هذا فأئمة الصوفية هم الذين عاشوا في القرن الثاني والثالث وأوائل الرابع. وذلك قبل استفحال البدع وتمكنها من الصوفية.
من هم خَلَف الصوفية؟
المراد بخَلَف الصوفية، هم الذين أتوا بعد أبي عبد الرحمن السلمي، وذلك مع نشأة الطرق الصوفية وانتشارها، فالطرق الصوفية يمثلون الخَلَف، وهم الذين ظهرت فيهم رسوم التصوف المتأخرة، كلبس الخرقة، والمريد والشيخ، والذكر الخاص، البناء على قبور الأولياء، ونحو ذلك مما أصبح سمة بارزة في أصحاب الطرق الصوفية.
وجاء في الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة: (ومن أهم ما تتميز به القرون المتأخرة: ظهور ألقاب شيخ السجادة، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية، والخليفة والبيوت الصوفية التي هي أقسام فرعية من الطرق نفسها مع وجود شيء من الاستقلال الذاتي يُمارس بمعرفة الخلفاء، كما ظهرت فيها التنظيمات والتشريعات المنظمة للطرق تحت مجلس وإدارة واحدة الذي بدأ بفرمان أصدره محمد علي باشا والي مصر يقضي بتعيين محمد البكري خلفاً لوالده شيخاً للسجادة البكرية، وتفويضه في الإشراف على جميع الطرق والتكايا والزوايا والمساجد التي بها أضرحة، كما له الحق في وضع مناهج التعليم التي تُعطى فيها. وذلك كله في محاولة لتقويض سلطة شيخ الأزهر وعلمائه، وقد تطورت نظمه وتشريعاته ليعرف فيما بعد بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر)[11].
الفصل الأوَّل: الطريقة النقشبندية
نشأة الطريقة النقشبندية:
نشأت الطريقة النقشبندية في القرن الثامن هجري على يد محمد بهاء الدين شاه نقشبند المُتَوفّى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وهو الذي تُنسب إليه الطريقة.
وقد ذكر محمد بن عبد الله الخاني الخالدي النفشبندي: أن الطريقة كانت تُنسب قبلُ إلى عبد الخالق الغجدواني. وقد سُمِّيت الطريقة بـ«المجددية» أو «الفاروقية» نسبةً إلى الشيخ أحمد الفاروقي السرهندي، وبـ«الخالدية» أيضاً نسبةً إلى خالد النقشبندي الملقب بالطيار ذي الجناحين[12].
ويقول أصحاب الطريقة النقشبندية أن طريقتهم كانت تسمى «الصديقية» نسبةً إلى أبي بكر الصديق، ثم سُميت «الطيفورية» نسبةً إلى أبي يزيد البسطامي واسمه طيفور.
و«نقشبند» في الحقيقة لقب لمحمد بهاء الدين، وقد ذكر محمد أمين الكردي سببين لتلقيبه بنقشبند:
الأول: لانطباع صورة لفظ الله على ظاهر قلبه من كثرة ذكر الله.
الثاني: أنه سُمِّي بذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع كفه الشريف على قلبه فصار نقشاً في القلب[13].
مناطق انتشار الطريقة
كانت الطريقة مقصورة الانتشار في بخارى وما جاورها لكونها المدينة التي عاش فيها مؤسسها نقشبند، ثم انتشرت في بلاد الشام بعد ذلك عن طريق الشيخ خالد النقشبندي بعد أن تلقّى الطريقة من الشيخ عبد الله الدهلوي[14].
تنتشر الطريقة النقشبندية في أماكن كثيرة خصوصاً في بلاد القوقاز وبخاري وسمرقند وتركمان -وهي صحراء في الاتحاد السوفياتي-، وشبه القارة الهندية سابقاً حيث أن سادات الطريقة النقشبندية من تلك البلاد. كما تنتشر الطريقة في معظم البلاد العربية خصوصاً في بلاد الشام[15].
مشائخ الطريقة
من أشهر مشائخ الطريقة: الشيخ عبد الخالق الغجدواني المتوفى سنة خمس وسبعين وخمسمائة للهجرة، ومن تُنسب إليه وهو الشيخ محمد بهاء الدين نقشبند المتوفى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة للهجرة، والشيخ أحمد الفاروقي السرهندي المتوفى سنة أربع وثلاثين وألف للهجرة.
ومن أشهر مشائخهم المتأخرين محمد عثمان سراج الدين الثاني المتوفى سنة سبع عشرة وأربعمائة وألف للهجرة.
أصول الطريقة
لا تختلف الطريقة النقشبندية في أصولها عن الطرق الصوفية الأخرى، والتي تقوم على أمورٍ من الذِّكر والتعبّد مما ليس عليه دليل من الكتاب أو السنَّة، والغلو في المشائخ إلى حد قد يصل إلى تأليههم.
الفصل الثَّاني: أصول التصوف عند سلف الصوفية
أولاً: التوحيد ونبذ الشرك
أئمة الصوفية كانوا على التوحيد الخالص من شوائب الشرك، لا يلتفتون إلا إلى الله – تعالى -، ولا يرجون أحداً سواه، ولا يهتفون إلى باسمه، ولا يستعينون إلا به تبارك وتعالى، وهم بذلك سائرون على الطريق الذي شرعه ربنا تبارك وتعالى، وخطّه النبي r، وهو إفراد الله – تعالى -بالعبادة، كما قال – سبحانه – (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء)[البينة: 5]، وقال – تعالى -: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[غافر: 65].
ولم يُعرف عن سلف الصوفية استغاثة بميّت أو غائب، وليٍّ أو غيره، ولا ذبح للأولياء، ولا الطواف بقبورهم، ولا طلب المدد والعون من أمواتهم.
وهذا آثار القوم وأقولهم وتراجمهم شاهدة بذلك.
قال يحيى بن معاذ الرازي: (اختلاف الناس كلهم يرجع إلى ثلاثة أصول، فلكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد وضده الشرك، والسنَّة وضدها البدعة، والطاعة وضدها المعصية)[16].
وقال الفضيل بن عياض في قوله(لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)[هود: 7]: (أخلصه وأصوبه، فإنه إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يُقبل، حتى يكون خالصاً وصواباًَ، والخالص إذا كان لله، والصواب إذا كان على السنَّة)[17].
وكانوا يُقرون بوجود الله – تعالى -وربوبيته وألوهيته، وبأنه لا مثيل له ولا شبيه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. ويميزون بين الخالق والمخلوق، فلا يعرفون وحدة الوجود، ولا اتحاد الخالق بالمخلوق.
وقال أبو القاسم القشيري: (اعلموا رحمكم الله أن شيوخ هذه الطائفة بنوا قواعد أمرهم على أصول صحيحة في التوحيد، صانوا بها عقائدهم عن البدع بما وجدوا عليه السلف وأهل السنَّة: من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل، وعرفوا ما هو حق القِدَم، وتحققوا بما هو نعت الموجود عن العدم.
ولذلك قال سيِّد هذه الطريقة الجنيد – رحمه الله -: «التوحيد إفراد القِدَم من الحدث».
وأحكموا أصول العقائد بواضح الدلائل، ولائح الشواهد.
كما قال أبو محمد الجريري – رحمه الله -: «من لم يقف على علم التوحيد بشاهد من شواهده زلت به قدم الغرور في مهواة التلف»)[18].
وسُئل الجنيد عن التوحيد فقال: (إفراد الموحَّد بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته: أنه الواحد الذي لم يلد ولو يولد، بنفي الأضداد، والأنداد، والأشباه، بلا تشبيه، ولا تكييف، ولا تصوير، ولا تمثيل(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى: 11])[19].
وقد ذكر الكلابادي معتقد القوم في أبواب التوحيد، فقال في الباب الخامس: (شرح قولهم في التوحيد: اجتمعت الصوفية على أن الله واحد أحد، فرد صمد، قديمٌ عالمٌ قادرٌ حيٌّ سميعٌ بصيرٌ عزيزٌ عظيمٌ جليلٌ كبيرٌ جوادٌ رؤوفٌ متكبرٌ جبارٌ باقٍ أولٌ إلهٌ سيدٌ مالكٌ ربٌّ رحمن رحيمٌ مريدٌ حكيمٌ متكلمٌ خالقٌ رزاقٌ، موصوف بكل ما وصف به نفسه من صفاته، مُسمّى بكل ما سمّى به نفسه، لم يزل قديماً بأسمائه وصفاته، غير مشبه للخلق بوجه من الوجوه، لا تشبه ذاته الذوات، ولا صفته الصفات، لا يجري عليه شيء من سمات المخلوقين الدالة على حدثهم، لم يزل سابقاً متقدماً للمحدثات، موجوداً قبل كل شيء، لا قديم غيره ولا إله سواه)[20].
وقال في الباب السادس: (شرح قولهم في الصفات: أجمعوا على أن لله صفات على الحقيقة هو بها موصوف، من العلم والقدرة والقوة والعز والحلم والحكمة والكبرياء والجبروت والقدم والحياة والإرادة والمشيئة والكلام، وأنها ليست بأجسامٍ، ولا أعراضٍ، ولا جواهر، كما أن ذاته ليس بجسم، ولا عرض، ولا جوهر. وأنَّ له سمعاً وبصراً ووجهاً ويداً على الحقيقة، ليس كالأسماع والأبصار والأيدي والوجوه.وأجمعوا أنها صفات لله وليس بجوارح ولا أعضاء ولا أجزاء)[21].
وقال معمر بن زياد شيخ الصوفية في عصر أبي نعيم ويحيى بن عمار: (أحببت أن أوصي أصحابي بوصية من السنَّة، وموعظة من الحكمة، وأجمع ما كان عليه أهل الحديث والأثر، وأهل المعرفة والتصوف من المتقدمين والمتأخرين، قال فيها: وإن الله استوى على عرشه بلا كيف، ولا تشبيه، ولا تأويل، والاستواء معقول، والكيف مجهول. وأنه – عز وجل – بائنٌ من خلقه، والخلق بائنون منه، بلا حلول ولا ممازجة، ولا اختلاط ولا ملاصقة، لأنه الفرد البائن من الخلق، الواحد الغني عن الخلق. وأنَّ الله سميع بصير عليم خبير، يتكلم ويرضى ويسخط ويضحك ويعجب، ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكاُ، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف شاء، فيقول: هل من داع فأستجيب له، هل من تائب فأتوب عليه، حتى يطلع الفجر، ونزول الرب إلى السماء بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل، فمن أنكر النزول أو تأوَّل فهو مبتدع ضال)[22].
ثانياً: التعبَّد
يقوم التصوف عند سلف الصوفية على أساس الزهد في الدنيا والتجافي عنها، والابتعاد عن شهواتها، والتخلي للتعبد والتنسك، وإصلاح السرائر، وأن لا يكون للعبد مقصود سوى الله – تعالى -.
قال معروف الكرخي: (التصوف: الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق)[23].
وذكر الكلابادي كلمات أئمة الصوفية في تعريف التصوف، ثم قال بعد ذلك في بيان ما يعنيه «التصوف»: (وجميع المعاني كلها من التخلي عن الدنيا، وعزوف النفس عنها، وترك الأوطان، ولزوم الأسفار، ومنع النفس حظوظها، وصفاء المعاملات، وصفوة الأسرار، وانشراح الصدور وصفى السباق)[24].
وقال الدكتور إبراهيم هلال: (رغم كثرة التعاريف التي عُرِّف بها التصوف الإسلامي في كتب التصوف وغيرها فإننا نستطيع أن نقول: أن التصوف كما يراه الصوفية في عمومه هو السير في طريق الزهد، والتجرد عن زينة الحياة وشكلياتها، وأخذ النفس بأسلوب التقشف وأنواع من العبادة والأوراد والجوع والسهر في صلاة أو تلاوة ورد. حتى يضعف في الإنسان الجانب الجسدي، ويقوى فيه الجانب النفسي أو الروحي، فهو إخضاع الجيد للنفس بهذا الطريق المتقدم سعياً إلى تحقيق الكمال النفسي كما يقولون، وإلى معرفة الذات الإلهية وكمالاتها، وهو ما يُعبِّرون عنه بمعرفة الحقيقة)[25].
وقد ذكر أبو القاسم القشيري في «الرسالة القشيرية» مقامات الصوفية وأحوالها، كالتوبة، والزهد، والورع، والصدق، والخوف، والرجاء، والصمت، والعزلة، والقناعة، والشكر، واليقين وغير ذلك من المقامات التي لا بد للسالك في طريق التصوف من تحقيقها، وهي في عامتها طرق سنية عليّة، جاءت بها الشريعة المحمدية.
ثالثاً: العلم
من أصول سلف الصوفية اهتمامهم بالعلم، ووصية الأتباع به.
قال الجنيد: (من لم يحفظ القرآن، ويكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا هذا مُقيَّدٌ بالكتاب والسنَّة)[26].
وقال علي بن إبراهيم الحداد: حضرت مجلس القاضي أبي عباس بن سريج، فتكلم في الفروع والأصول بكلام حسنٍ عجبت منه، فلما رأى إعجابي قال:
أتدري من أين هذا؟
قلت: يقول به القاضي.
قال: هذا ببركة مجالسة أبي القاسم الجنيد.
وقيل للجنيد: من أين استفدت هذا العلم؟
فقال: من جلوسي بين يدي الله ثلاثين سنة تحت هذه الدرجة، وأومأ إلى درجةٍ في داره[27].
وهذا يدل على علم الجنيد وصبره عليه، حتى كان أبو العباس بن سريج يحيل في علمه إلى أنه استفاده من الجنيد.
وقال محمد بن الفضل البلخي: (ذهاب الإسلام من أربعة: أولها: لا يعلمون بما يعلمون، والثاني: يعملون بما لا يعلمون، والثالث: لا يتعلمون ما لا يعلمون، والرابع: يمنعون الناس من التعلم)[28].
وقال أبو يعقوب النهرجوري: (أفضل الأحوال ما قارن العلم)[29].
وقال أبو عمرو بن نجيد: (كل حال لا يكون عن نتيجة علم فإن ضرره على صاحبه أكثر من نفعه)[30].
رابعاً: الاتباع وترك الابتداع وتوحيد مصدر التلقّي بالكتاب والسنَّة
ومن أصولهم المهمة التي درجوا على التنويه بها، والتحذير من التنكب عن طريقها: الاتباع للكتاب والسنَّة، والاقتفاء لآثار سلف الأمة، والحذر من البدع والمحدثات. وكلامهم في هذا يطول.
قال شقيق بن إبراهيم: (مرَّ إبراهيم بن أدهم في أسواق البصرة، فاجتمع الناس إليه، فقالوا له: يا أبا إسحاق، إنَّ الله – تعالى -يقول في كتابه:(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ)[غافر: 60]، ونحن ندعوه منذ دهر فلا يستجيب لنا.
قال: فقال إبراهيم: يا أهل البصرة، ماتت قلوبكم في عشرة أشياء: أولها: عرفتم الله ولم تؤدّوا حقه. الثاني: قرأتم كتاب الله ولم تعملوا به. والثالث: ادعيتم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته… حتى عد عشراً-)[31].
وقال ذو النون المصري: (من علامة المُحِب لله متابعة حبيب الله في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه)[32].
وسئل أبو علي الحسن بن علي الجوزجاني: كيف الطريق إلى الله؟ فقال: (الطرق إلى الله كثيرة، وأوضح الطرق، وأبعدها عن الشبه: اتباع السنَّة قولاً وفعلاً وعزماً وعقداً، لأن الله – تعالى –يقول(وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النور: 54]، فقيل له: كيف الطريق إلى السنَّة؟ فقال: مجانبة البدعة، واتباع ما أجمع عليه الصدر الأول من علماء الإسلام، والتباعد عن مجالس الكلام وأهله، ولزوم طريق الاقتداء، وبذلك أمر النبي بقوله – تعالى – (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً)[النحل: 123])[33].
وقال أبو بكر الترمذي: (لم يجد أحد تمام الهمة بأوصافها إلا أهل المحبة، وإنما أخذوا في ذلك من اتباع السنَّة ومجانبة البدعة، فإن محمداً كان أعلى الخلق همةً، وأقربهم زلفى)[34].
وقال سهل التُّستري: (أصولنا سبعة أشياء: التمسك بكتاب الله، والاقتداء بسنة رسول الله، وأكل الحلال، وكفُّ الأذى، واجتناب الآثام، والتوبة، وأداء الحقوق)[35].
وقال أبو سليمان الداراني: (ربما تقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياماً، فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنَّة)[36].
وقال أبو حفص الحداد: (من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنَّة، ولم يتهم خواطره فلا نعُدُّه في ديوان الرجال)[37].
وقال أبو القاسم الجنيد: (مذهبنا هذا مُقيَّد بالكتاب والسنَّة)[38].
وقال أيضاً: (الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول).
وآثار القوم وأقوالهم في هذا الباب كثيرة يصعب حصرها، كلها تدل على اهتمام سلف الصوفية بالاتباع، وتحذير الأتباع من الابتداع والخروج عن قيد الكتاب والسنَّة، وأن الأفعال والأقول إنما توزن بميزان الكتاب والسنَّة.
ولما ذكر الشاطبي آثار عن السلف في ذم البدع والنهي عنها قال: (الوجه الرابع من النقل ما جاء في ذمِّ البدع وأهلها عن الصوفية المشهورين عند الناس.
وإنما خصصنا هذا الموضع بالذكر وإن كان فيما تقدم من النقل كفاية لأن كثيراً من الجهال يعتقدون فيهم أنهم متساهلون في الاتباع، وأن اختراع العبادات والتزام ما لم يأت في الشرع التزامه مما يقولون به ويعملون عليه، وحاشاهم من ذلك أن يعتقدوه، أو يقولوا به، فأوّل شيء بنوا عليه طريقتهم اتباع السنه، واجتناب ما خالفها)[39].
الفصل الثَّالث: الموازنة بين سَلَفِ الصوفية وخَلَفِهم
لقد اعترف كثير من أئمة الصوفية المتأخرين بالتحول الذي نشأ في جسد هذا الطريق الزهدي، وارتفعت أصواتهم جاهدة في ضبط هذا المسلك من الانحراف، وظهرت كثير من الكتب التي تسعى لبيان طريقة الأولين وبيان مجانبة كثير من المتأخرين عنها.
فقد استفتح الكلابادي مقدمة كتابه «التعرف لمذهب أهل التصوف» بذكر ما كان عليه أئمة الصوفية المتقدمين، ثم أوضح ما حصل من الانحراف عن طريقهم فقال: (لم يزل يدعو الأول الثاني، والسابق التالي، بلسان فعله أعناه ذلك عن قوله، حتى قل الرَّغب، وفتر الطلب، فصار الحال أجوبة ومسائل، وكتباً ورسائل، فالمعاني لأربابها قريبة، والصدور لفهمها رحيبة.
إلى أن ذهب المعنى، وبقى الاسم، وغابت الحقيقة، وحصل الرسم، فصار التحقيق حلية، والتصديق زينة، وادّعاه من لم يعرفه، وتحلّى به من لم يصفه، وأنكره بفعله من أقر به بلسانه، وكتمه بصدقه من أظهره ببيانه، وأدخل فيه ما ليس منه، ونسب إليه ما ليس فيه، فجعل حقّه باطلاً، وسمّى عالمه جاهلاً، وانفرد المتحقِّق فيه ضناً به، وسكت الواصف له غيرة عليه، فنفرت القلوب منه، وانصرفت النفس عنه، فذهب العلم وأهله، والبيان وفعله، فصار الجهال علماء، والعلماء أذلاء،
فدعاني ذلك إلى أن رسمت في كتابي هذا وصف طريقتهم، وبيان نحلتهم وسيرتهم من القول في التوحيد والصفات، وسائر ما يتصل به مما وقعت فيه الشبهة عند من لم يعرف مذاهبهم، ولم يخدم مشايخهم،…. )[40].
وقال أبو القاسم القشيري أيضاً في مقدمة كتابه «الرسالة القشيرية»: (اعلموا رحمكم الله، أن المحققين من هذه الطائفة انقرض أكثرهم، ولم يبق في زماننا من هذه الطائفة إلا أثرهم، كما قيل:
أما الخيام فإنها كخيامهم… وأرى نساء الحي غير نسائها
حصلت الفترة في هذه الطريقة..، لا، بل اندرست الطريقة بالحقيقة: مضى الشيوخ الذين كان بهم اهتداء، وقلَّ الشباب الذين كان لهم بسيرتهم وسنتهم اقتداء، وزال الورع وطوى بساطه، واشتد الطمع وقوى رباطه.
وارتحل عن القلوب حرمة الشريعة، فعدُّوا قلة المبالاة بالدين أوثق ذريعة، ورفضوا التمييز بين الحلال والحرام. ودانوا بترك الإحترام، وطرح الاحتشام، واستخفوا بأداء العبادات، واستهانوا بالصوم والصلاة، وركضوا في ميدان الغفلات، وركنوا إلى اتباع الشهوات، وقلة المبالاة بتعاطي المحظورات، والارتفاق بما يأخذونه من السوقة، والنسوان، وأصحاب السلطان.
ثم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء هذه الأفعال، حتى أشاروا إلى أعلى الحقائق والأحوال، وادعوا أنهم تحروا من رقِّ الأغلال، وتحققوا بحقائق الوصال، وأنهم قائمون بالحق، تجري عليهم أحكامه، وهم محوٌ، وليس لله عليهم فيما يؤثرونه أو يذرونه عتب ولا لوم، وأنهم كوشفوا بأسرار الأحدية، واختطفوا عنهم بالكلية، وزالت عنهم أحكامه للبشرية. وبقوا بعد فنائهم عنهم بأنوار الصمدية، والقائل عنهم غيرهم إذا نطقوا، والنائب عنهم سواهم فيما تصرفوا، بل صرفوا)[41].
وقال ابن الجوزي وهو يتكلم عن نشأة التصوف وتطوره: (وهذا الاسم ظهر للقوم قبل سنة مائتين، ولما أظهره أوائلهم تكلموا فيه، وعبروا عن صفته بعبارات كثيرة، وحاصلها أن التصوف عندهم رياضة النفس، ومجاهدة الطبع برده عن الأخلاق الرذيلة، وحمله على الأخلاق الجميلة من الزهد والحلم والصبر والإخلاص والصدق إلى غير ذلك من الخصال الحسنة التي تكسب المدائح في الدنيا، والثواب في الأخرى،…
قال المصنف: وعلى هذا كان أوائل القوم، فلبَّس إبليس عليهم في أشياء، ثم لبَّس على من بعدهم من تابعيهم، فكلما مضى قرنٌ زاد طمعه في القرن الثاني، فزاد تلبيسه عليهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن.
وكان أصل تلبيسه عليهم أنه صدَّهم عن العلم، وأراهم أن المقصود العمل، فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبَّطوا في الظلمات)[42].
وقال الشاطبي: (وفي غرضى إن فسح الله في المدة، وأعانني بفضله، ويسّضر لي الأسباب أن ألخِّص في طريقة القوم أنموذجاً يُستدل به على صحتها، وجريانها على الطريقة المثلى، وأنه إنما داخلتها المفاسد، وتطرقت إليها البدع من جهة قوم تأخرت أزمانهم عن عهد ذلك السلف الصالح، وادَّعوا الدخول فيها من غير سلوك شرعي، ولا فهمٍ لمقاصد أهلها، وتَقَوَّلوا عليهم ما لم يقولوا به، حتى صارت في هذا الزمان الأخير كأنّها شريعة أخرى غير ما أتى بها محمد.
وأعظم من ذلك أنهم يتساهلون في اتباع السنَّة، ويرون اختراع العبادات طريقاً للتعبّد صحيحاً، وطريقة القوم بريئةٌ من هذا الخباط بحمد الله)[43].
وإليك بعض مظاهر الانحراف عن طريقة أئمة الصوفية في الطريقة النقشبندية:
أولاً: مصدر التلقّي
قد بينّا بأن مصدر التلقي عند سلف الصوفية هو الكتاب والسنَّة، كما أنهم من أكثر الناس تحذيراً من البدع والمحدثات، بينما نجد النقشبندية على خلاف ذلك، فيرون أن تلقي الدين قد يكون من الأموات، أو من الله – تعالى -بلا واسطة الرسول r، وقد يكون بالذوق والمواجيد.
قال أحمد السرهندي: (واعتقدوا الأذواق)[44].
وقال حسين الدوسري في هامش «المكتوبات»: (علومهم حاصلة من الحق بلا واسطة)[45].
ونقل أيضاً عن بعض العارفين قوله مخاطباً أهل النظر: (أخذتم علمكم ميتاً عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت)[46].
ثانياً: التوحيد
توحيد سلف الصوفية يقوم على إفراد الله – تعالى -بالربوبية والألوهية، وأنه – تعالى -لا مثيل له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، بينما توحيد النقشبندية هو وحدة الوجود، وأنه ليس ثمة موجود إلا الله – تعالى -، وأن جميع ما يُرى من أصناف المخلوقات إنما هي في حقيقتها مظاهر وتجليات للرب – تعالى -.
قال السرهندي: (اعلم أن التوحيد الذي يظهر في أثناء طريق هذه الطائفة العلية على قسمين: توحيد شهودي، وتوحيد وجودي.
فالتوحيد الشهودي: هو مشاهدة الواحد، يعني لا يكون مشهود السالك غير واحد.
والتوحيد الوجودي: هو أن يعلم السالك ويعتقد الموجود واحداً، وأن يعتقد أو يظن غيره معدوماً، وأن يزعم الغير مع اعتقاد عدميته مجالي ذلك الواحد ومظاهره.
فكان التوحيد الوجودي من قبيل علم اليقين، والتوحيد الشهودي من قبيل عين اليقين، وهو من ضروريات هذا الطريق)[47].
وعلى هذا حملوا قول الحلاج: (أنا الحق)، وقول أبي يزيد البسطامي: (سبحاني ما أعظم شاني)، فقالوا: هو محمول على التوحيد الوجودي[48].
وقال أحمد السرهندي: (اعلم أن العناية الإلهية جذبتني جذب المرادين أولاً، ثم يسرت لي طي منازل السلوك ثانياً، فوجدت الله عين الأشياء كما قاله أرباب التوحيد الوجودي من متأخري الصوفية، ثم وجدت الله في الأشياء من غير حلول وسريان، ثم وجدته – سبحانه – معها بمعية ذاتية، ثم رأيته بعدها ثم قبلها، ثم رأيته – سبحانه – وما رأيت شيئاً وهو المعني بالتوحيد الشهودي المُعبَّر عنه بالفناء، وهو أول قدم توضع في الولاية، وأسبق كمال في البداية،….، ثم ترقيت في البقاء وهو ثاني قدم في الولاية فرأيت الأشياء ثانياً، فوجدت الله – تعالى -عينها بل عين نفسي، ثم وجدته – تعالى -في الأشياء بل في نفسي، ثم قبل الأشياء بل قبل نفسي، ثم بعد الأشياء بل بعد نفسي، ثم رأيت الأشياء وما رأيت الله – تعالى -أصلاً وهي النهاية)[49].
وقال علي الواعظ الهروي في «رشحات عين الحياة»: (رشحة: قال بعض الأكابر لشيخنا وهو سعد الدين النقشبندي- في مجلس من المجالس: قال أكابر الصوفية لا وجود غير وجود الحق – سبحانه – الذي هو الوجود المطلق، وأن الظاهر في لباس المظاهر واحد، فعلى هذا التحقيق ما معنى مخالفة أهل الإسلام أهل الكفر ومنازعتهم إياهم، فأجابه حضرة شيخنا بهذين البيتين، -ثم ذكر بيتين بالفارسية ثم قال: لما كان وجود الحق – سبحانه – هو الوجود المطلق الذي لا وجود غيره عند محققي الصوفية مقترناً بالتعينات والنِّسَب والاعتبارات ونحوها من النعوت التي تلحقه بواسطة تعلقه بالظاهر، جرى كل واحد من أفراد الممكنات بمقتضى مبدأ تعيينه الذي هو حقيقته… )[50].
وهذا صريح في وحدة الوجود، وأن ما ثمة إلا الله. ثم انظر إلى قول الجنيد سيِّد الطائفة: (التوحيد إفراد القِدَم من الحدث).
والشيخ عند النقشبندية يحيى ويميت، فأعطوه صفة الله – تعالى -.
قال السرهندي: (الشيخ يحيى ويميت، وإن الإحياء والإماتة من لوازم مقام المشيخة)[51].
هذا فيما يتعلق بوجود الله وتوحيد الربوبية.
أما توحيد الألوهية، وإفراد الله – تعالى -بالعبادة، فقد كان سلف الصوفية كما سبق من أكثر الناس تعظيماً لهذا الأمر، وأن لا يُعبد إلا الله، ولا يُقصد أحد سواه، بل أن لا يلتفت القلب إلى أحد من الخلق تعلّقاً وطلباً. وأما النقشبندية فقد فتحوا باب عبادة الأولياء، ودعاؤهم والاستغاثة بهم، والطواف بقبورهم.
ومن أمثلة ذلك ما يحكونه ويعتقدونه في الشيخ محمد المعصوم، والذي يعتقدون أنه كان غوثاً يستغيث به الناس، ويصفونه بحضرة القيوم. ويحكون عنه أشياء من ذلك.
قال عبد المجيد الخاني: (أن الخواجه محمد صديق كان في سفر على فرس، فجفلت فسقط إلى الأرض، وبقيت رجله في الركاب، وجعلت الفرس تعدو به حتى أيقن الهلاك، فاستغاث بحضرة القيوم، قال: فرأيته حضر وأوقفها، وأركبني.
ومنها: أن الشيخ محمد صديق المشار إليه وقع في البحر، ولم يك يعرف السباحة، فكاد أن يغرق، فناداه مستغيثاً به، فحضر وأخذ بيده وأنقذه من الغرق. ومنها:…. )[52].
سبحان الله فأين هم من قوله – تعالى –(وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً)[الإسراء: 67]
وقوله – تعالى -(فإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)[العنكبوت: 65]
والاستغاثة بالأموات ودعاؤهم ومناداتهم أصل من أصول الطريقة، وقد كتبوا في ذلك، فمن ذلك كتاب «الحجج البينات في الاستعانة من الأموات» لأبي الأسفار علي البلخي.
والنقشبنديون يعتقدون في أئمتهم أنهم يتصرفون في الكون، فأعطوهم شيئاً من الربوبية.
قال الكمشخاتلي النقشبندي: (وأما أنواع الأولياء والمتصرفين: فمنهم قطب الأقطاب، وقطب الإرشاد، وقطب البلاد، وقطب المتصرفين، وهم الكلمات الجامعة الإلهية، وقدرتهم القدرة الذاتية،…، وهم أقطاب العالم، وهؤلاء الأوتاد نوابهم: لا موت، ولا عارض، ولا صعق، ولا تغيّر عليهم….
وذكر الإثني عشر نقيباً ثم قال: الإثنا عشر نقيباً مطّلعون على تأثيرات الكواكب التي تنزل على البروج.
ومنها النجباء: وهم ثمانية عدد السماوات مع الكرسي، وهم واقفون على أحوال النجوم وسيرها،….، والنقباء فوقهم لأنهم مطّلعون على أحوال النجباء وأسرار النجوم والكرسي والعرش…. )[53].
والنقشبنديون يعظّمون الموتى، ويتبركون بالقبور، ويعتقدون أنها وسيلة إلى الله، وهي موطن البركات، وموضع قضاء الحاجات، وإغاثة اللهفات، وتفريج الكربات.
قال محمد أسعد زاده النقشبندي في بيان المقصود من زيارة القبور: (فإن المقصود منه: الزيارة والاستمداد من سؤال المغفرة وقضاء الحوائج من أرواح الأنبياء والأئمة – عليهم السلام -، والعبارة عن هذا الإمداد بالشفاعة)[54].
وقال محمد أمين الكردي: (وكل شأن من شؤون العبادة وطلب العلم والكشوفات مرتبط بالقبور، بل تلقي العلوم وفيضها والتكليف واستمداد كل خير مرتبط بالقبر)[55].
ثالثاً: العلم
على الرغم من أن أئمة الصوفية وسلفهم كانوا يهتمون بالعلم، ويبينون بأنه لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالعلم الذي يتبعه عمل، فإن النقشبندية قد زهدوا في العلم، واتخذوا منه موقفاً معادياً على الرغم من أن طريقتهم مبناها على الرابطة بين الشيخ والمريد، إلا أنها تقوم على تحصيل الواسطة فقط في تلقي الطريقة، لا أخذ العلم.
قال محمد أسعد زاده النقشبندي في بيان وسيلة الترقّي وأنه الارتباط بالشيخ والاستمداد منه دون الله – تعالى -: (يستحضر صورة شيخه على أكمل الأحوال ليحصل له المدد منه، فإن شيخه بابه إلى حضرة الله – تعالى -، ووسيلته إليه….
فالواجب عليه أن يشهد شيخه، ويتصور صورته حتى يستمد من الله – تعالى -بسبب تعظيم صورة شيخه المستمد منه – تعالى -، ويبقى على ذلك حتى يحصل له الفتح الإلهي)[56].
رابعاً: تقديس النقشبندية للشيوخ
يُقدِّس النقشبنديون الشيوخ تقديساً قد يصل إلى درجة إعطائهم بعض صفات الرب – تعالى -، كعلم الغيب، والتصرف في ذرات الكون ونحو ذلك، وهذا مخالف لما كان عليه أئمة التصوف السابقين الذين كانوا يزنون شيوخهم بميزان الكتاب والسنَّة، فمن رأوه ملازماً للأثر أحبوه وأكرموه، ومن خالف تركوه.
قال أبو يزيد البسطامي مرة لصاحب له: (قم بنا حتى ننظر إلى هذا الرجل الذي شهر نفسه بالولاية وكان رجلاً مقصوداً مشهوراً بالزهد- قال الراوي: فمضينا، فلما خرج من بيته ودخل المسجد رمى ببصاقةٍ تجاه القبلة، فانصر أبو يزيد ولم يُسلِّم عليه، وقال: هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله فكيف يكون مأموناً على ما يدّعيه)[57].
قال الشاطبي معلِّقاً على هذا الأثر: (وهذا أصلٌ أصَّله أبو يزيد – رحمه الله – للقوم، وهو أن الولاية لا تحصل لتارك السنَّة، وإن كان ذلك جهلاً منه، فما ظنك إذا كان عاملاً بالبدعة كفاحاً؟)[58].
وأما النقشبنديون فعلى خلاف ذلك تماماً، قد منحوا شيوخهم العصمة.
قال محمد أسعد زاده النقشبندي: (من لا شيخ له فشيخه الشيطان، ومتى كان شيخه الشيطان كان في الكفر حتى يتخذ شيخاً متخلِّقاً بأخلاق الرحمن)[59].
وقد سبق ذكر قول السرهندي: (الشيخ يحيى ويميت، وإن الإحياء والإماتة من لوازم مقام المشيخة)[60].
وقال محمد أسعد زاده النقشبندي: (بعض الأولياء يُمكِّنهم الله – تعالى -من التصوُّر بصورٍ عديدةٍ، بحصرٍ أو بغير حصرٍ، وقد يكون لهم صورة واحدة تملأ الكون)[61].
والشيخ عندهم يقول للشيء: كن، فيكون.
وقال محمد أسعد زاده: (وقد سئل بعض الأئمة من الأكابر على ما في «الدلائل الواضحات» عمن قال: إن من كرامات الولي أن يقول للشيء: كن، فيكون، فنهى القائل عن ذلك. فقال: من أنكر ذلك فعقيدته فاسدة، فهل ما ادعاه صحيح.
فأجاب: بأن ما قاله صحيح، إذ الكرامة الأمر الخارق للعادة يُظهره الله – تعالى -على يد وليّه)[62].
ومن شيوخ النقشبنديون بعض الحيوانات؟
قال محمد الخاني: (وأما الحيوانات فلنا منهم شيوخ، ومن شيوخنا الذي اعتمدت عليهم الفرس، فإن عبادته عجيبة، والبازي والهرة والكلب والفهد والنحلة وغير ذلك،…. وهم في كل لحظة مع اعتقادهم سيادتي عليهم يوبخوني ويعتبوني، وقد ألقى منهم شدة لما يرون من نقص حالي في عبادة ربهم، وربما يغتاظ بعضهم عليَّ)[63].
والله – تعالى -لم يختص بالخلق والإيجاد، بل الأولياء يشاركونه فيه عند النقشبنديين.
قال علي الواعظ الهروي: (قد أعطي بعض العارفين قدرة على خلق كل ما أرادوا خلقه).
ويعتقد النقشبنديون أن أئمة الطريقة يعلمون ما في الصدور، ويُشرفون على ما في خواطر الناس.
قال الدهلوي: (وللنقشبندية تصرفات عجيبة من التصرف في قلوب الناس، والإشراف على خواطر الناس، وما يختلج في الصدور)[64].
خاتمة
من خلال ما سبق عرضه من المقارنة بين سلف الصوفية وخلفهم المتمثل بالطريقة النقشبندية نموذجاً، يمكن أن نستخلص ما يلي:
أولاً: سلامة عقيدة ومنهج سلف الصوفية وأئمتهم المتقدمين، وذلك في أمور كثيرة من أهمها: التوحيد ونبذ الشرك، والحرص على العلم والتعلم، وتوحيد مصدر التلقي بالكتاب والسنَّة، والحرص على متابعة السنَّة والبعد عن البدع والمحدثات.
ثانياً: أن التحوّل في المنهج الصوفي قد ظهر بوادره في القرن الرابع هجري، وتكلم أئمة الصوفية محذرين من هذا التحول نحو هجر العلم، والتعبد بالبدع والمحدثات، وألفوا في ذلك كتباً تبيِّن طريقة المتقدمين منهم.
ثالثاً: أهم أسباب هذا التحول في التصوف الإسلامي هو البعد عن العلم والعلماء.
رابعاً: نشأة الطريقة النقشبندية في القرن الثامن كان أثراً من آثار هذا التحول في التصوف.
خامساً: ظهور التباين الواضح والجلي بين أئمة الصوفية المتقدمين وبين أئمة الطريقة النقشبندية في أصول الدين كالتوحيد والاتباع، فضلاً عن فروعه.
سادساً: الطريقة النقشبندية تقوم على تصورات خاطئة مخالفة للكتاب والسنَّة.
—————————————————————ــــــــ
قائمة المصادر والمراجع
– إبراهيم هلال، التصوف الإسلامي بين الدين والفلسفة، القاهرة، دار النهضة العربية، ط1، 1395/1975، [1].
– ابن تيمية، أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس (728هـ/1328م)، الاستقامة، ت: د. محمد رشاد سالم، المدينة المنورة، جامعة الإمام محمد بن سعود، 1403/1983، [1-2].
– ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (597هـ/1071م)، تلبيس إبليس، ت: د. السيد الجميلي، بيروت، دار الكتاب العربي، ط7، 1414/1994، [1].
– الخالدي النقشبندي، محمد بن عبد الله الخاني الخالدي النقشبندي (1279هـ/1862م)، البهجة السنية في آداب الطريقة العلية الخالدية النقشبندية، تركيا، مكتبة الحقيقة، د. ت، [1].
– الخاني، عبد المجيد بن محمد الخاني الخالدي النقشبندي (1318هـ/1900م)، الأنوار القدسية في مناقب السادة النقشبندية، ت: محمد محمد الرخاوي، القاهرة، مطبعة السعادة، د. ت، [1].
– الدهلوي، عبد الله الدهلوي النقشبندي (1240هـ/1824م)، شفاء العليل ترجمة القول الجميل، لاهور، إسلامي أكادمي، د. ت، [1].
– الدوسري، حسين الدوسري النقشبندي، «الرحمة الهابطة في تحقيق الرابطة» بهامش « المكتوبات الشريفة المرسوم بالدرر المكنونات النفيسة»، بيروت، دار الكتب العلمية، ط2، د. ت، [1].
– السرهندي، أحمد الفاروقي السرهندي (1034هـ/1625م)، المكتوبات الشريفة الموسوم بـ«الدرر المكنونات النفيسة»، بيروت، دار الكتب العلمية، ط2، د. ت، [1-4].
– السُّلمي، محمد بن الحسين بن محمد أبو عبد الرحمن الأزدي السلمي (412هـ/1125م)، طبقات الصوفية، القاهرة، مكتبة الخانجي، ط3، 1418/1997، [1].
– السهروردي، شهاب الدين عمر بن محمد بن عبد الله البكري السهروردي (632هـ/1227م)، «عوارف المعارف» ملحق بكتاب «إحياء علوم الدين»، بيروت، دار المعارف، د. ت، [1-4].
– الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (790هـ/1388م)، الاعتصام، ت: د. محمد بن عبد الله الشقير، الدمام، دار ابن الجوزي، ط1، 1429/2008، [1-3].
– عبد الرحمن عبد الخالق، الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنَّة، القاهرة، دار الحرمين، ط4، 1410/1989، [1].
– أبو القاسم القشيري، عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري (465هـ/1073م)، الرسالة القشيرية، ت: د. عبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف، القاهرة، دار المعارف، د. ت، [1-2].
– ابن قيِّم الجوزيّة، شمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي ابن قيم الجوزية (751هـ/1350م)، اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1404/1984، [1].
– الكردي، محمد أمين فتح زاده الكردي الأربلي النقشبندي، تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د. ت، [1].
– الكردي، محمد أمين فتح زاده الكردي الأربلي النقشبندي، المواهب السرمدية في مناقب النقشبندية، القاهرة، مطبعة السعادة، ط1، 1329/1911، [1].
– الكلابادي، أبو نصر أحمد بن محمد بن الحسين الكلاباذي (380هـ/990م)، التعرف لمذهب أهل التصوف، ت: محمود أمين النواوي، القاهرة، المكتبة الأزهرية للتراث، ط3، 1412/1992، [1].
– الكمشخاتلي، أحمد ضياء الدين الكمشخاتلي النقشبندي المجددي الخالدي (؟؟؟)، جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم وأوصافهم وأصول كل طريق ومهمات المريد وشروط الشيخ وكلمات الصوفية واصطلاحاتهم وأنواع التصوف، القاهرة، مطبعة الجمالية، ط1، 1328/1910، [1].
– محمد أسعد النقشبندي، محمد أسعد صاحب زاده النقشبندي الخالدي العثماني، نور الهداية والعرفان في سر الرابطة والتوجه وختم الخواجكان، د. م، المطبعة العلمية، ط1، 1311/1893، [1].
– الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، إشراف: د. مانع بن حماد الجهني، الرياض، دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، ط4، 1420/1999، [1-2].
– موقع «الطريقة النقشبندية» في الشبكة العنكبوتية. www.naqshbandia.com
– أبو نعيم، أحمد بن عبدالله بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني (430هـ/1093م)، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، بيروت، دار الكتاب العربي، ط4، 1405/1985، [1-10].
– الواعظ الهروي، علي بن حسين الواعظ الهروي، رشحات عين الحياة، ترجمة: محمد مراد بن عبد الله القزاني، ديار بكر، المكتبة الإسلامية، د. ت، [1].
ـــــــــــ
([1]) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، 1/249.
([2]) ابن الجوزي، تلبيس إبليس، ص199.
([3]) أخرجه الحافظ أبو نعيم في «حلية الأولياء» (1/22).
([4]) الكلابادي، التعرف لمذهب أهل التصوف، ص32.
([5]) المصدر نفسه، ص199.
([6]) ابن الجوزي، تلبيس إبليس، ص202.
([7]) عبد الرحمن عبد الخالق، الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنَّة، ص540.
([8]) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، 1/256.
([9]) المرجع نفسه، 1/258.
([10]) أبو القاسم القشيري، الرسالة القشيرية، ص(34-147).
([11]) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، 1/260.
([12]) محمد الخاني، البهجة السنية في آداب الطريقة العلية الخالدية النقشبندية، ص35.
([13]) الكردي، تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب، ص539.
([14]) محمد الخاني، البهجة السنية في آداب الطريقة العلية الخالدية النقشبندية، ص35.
([15]) نقلاً من موقع الطريقة النقشبندية في الشبكة العنكبوتية.
([16]) الشاطبي، الاعتصام، 1/154.
([17]) أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/95).
([18]) القشيري، الرسالة القشيرية، ص19-20.
([19]) المصدر نفسه، ص21.
([20]) الكلابادي، التعرف لمذهب أهل التصوف، ص45.
([21])المصدر نفسه، ص47.
([22]) نقله عنه ابن تيمية في الاستقامة (1/186)، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص74.
([23]) السهروردي، عوارف المعارف، ص62.
([24]) الكلابادي، التعرف لمذهب أهل التصوف، ص32.
([25]) إبراهيم هلال، التصوف الإسلامي بين الدين والفلسفة، ص1.
([26]) القشيري، الرسالة القشيرية، ص79.
([27]) القشيري، الرسالة القشيرية، ص79.
([28])المصدر نفسه، ص87.
([29])المصدر نفسه، ص124.
([30])المصدر نفسه، ص138.
([31]) أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/15).
([32]) القشيري، الرسالة القشيرية، ص38.
([33]) السُّلمي، طبقات الصوفية، ص247.
([34])المصدر نفسه، ص282.
([35])المصدر نفسه، ص210.
([36]) القشيري، الرسالة القشيرية، ص61.
([37])المصدر نفسه، ص69.
([38])المصدر نفسه، ص79.
([39]) الشاطبي، الاعتصام، 1/149.
([40]) الكلاباذي، التعرف لمذهب أهل التصوف، ص25.
([41]) القشيري، الرسالة القشيرية، ص16.
([42]) ابن الجوزي، تلبيس إبليس، ص201.
([43]) الشاطبي، الاعتصام، 1/150.
([44]) السرهندي، الدرر المكنونات، ص211.
([45]) الدوسري، الرحمة الهابطة في تحقيق الرابطة، ص309.
([46])المصدر نفسه، ص309.
([47]) السرهندي، الدرر المكنونات، ص56.
([48])المصدر نفسه، ص56.
([49]) عبد المجيد الخاني، الأنوار القدسية في مناقب السادة النقشبندية، ص181.
([50]) الواعظ الهروي، رشحات عين الحياة، ص213.
([51]) السرهندي، الدرر المكنونات، ص349.
([52]) عبد المجيد الخاني، الأنوار القدسية في مناقب السادة النقشبندية، ص195.
([53]) الكمشخاتلي، جامع الأصول، ص131.
([54]) محمد أسعد النقشبندي، نور الهداية والعرفان في سر الرابطة والتوجه وختم الخواجكان، ص38.
([55]) الكردي، المواهب السرمدية في مناقب النقشبندية، ص113.
([56]) محمد أسعد النقشبندي، نور الهداية والعرفان في سر الرابطة والتوجه وختم الخواجكان، ص41.
([57]) القشيري، الرسالة القشيرية، ص57.
([58]) الشاطبي، الاعتصام، 1/160.
([59]) محمد أسعد النقشبندي، نور الهداية والعرفان في سر الرابطة والتوجه وختم الخواجكان، ص41
([60]) السرهندي، الدرر المكنونات، ص349.
([61]) محمد أسعد النقشبندي، نور الهداية والعرفان في سر الرابطة والتوجه وختم الخواجكان، ص59.
([62])المصدر نفسه، ص59
([63]) محمد الخاني، البهجة السنية في آداب الطريقة العلية الخالدية، ص6.
([64]) الدهلوي، شفاء العليل ترجمة القول الجميل، ص104.