الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،
فهذه وقفات على عجالة مع بعض ما ذكره الشيخ حمد سنان في صفحته «روض القارئين» بتاريخ 25/4/2007:
وأوّل هذه الوقفات: هي أن أقول: كم تمنينا أن يحصر الشيخ سنان الكلام في صفحته نصف الشهرية حول ما يستفيد منه القارئ: كالكلام حول الأمور التربوية والأخلاقية، وأن لا يخوض فيما لا يُحسنه: كالكلام في الفتيا، وما هو أعظم منه كالكلام في العقائد وأصول الدين فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته ونحو ذلك، إذ أننا نلاحظ خوضه في مسائل كبيرة تختص بأهل الفتيا كالمسائل المتعلقة بهلال رمضان، أو الفتيا فيما يُعرف بـ«القرقيعان». والأمَرُّ من ذلك أنه يَعْرِضُ رأيه بطريق السخرية من المخالف، وتصوير رأيه كالأمر المستغرب المستبعد، ويذكر ذلك بطريق الحكايات، وهذا ليس من أدب العلم، خصوصاً إذا صدر ممن يدندن كثيراً حول الأدب والتأدب.
أما أصول الاعتقاد فيما يتعلق بالله تعالى وما له من الأسماء والصفات فالخوض فيها بغير بينة ولا دراية أمرٌ جدُّ خطير، خصوصاً إذا كان الخوض فيها من إنسانٍ نشأ على كتب المتأخرين من أرباب علم الكلام الذين هم من أعظم الناس حيرة وشكّاً، وممن ليس له دربة ولا اطلاع على كتب السنة فضلاً عن العناية بها وبكتب الآثار.
وكثيراً ما نسمع الشيخ حمد سنان يطالب بترك الخوض في مسائل الاعتقاد، في حين أننا نراه وأصحابه يبتدأون ذلك دوماً، فإذا قام أهل العلم بعد ذلك بالردّ عليهم صاحوا بهم قائلين: لا تخوضوا في هذه المسائل التي تشوش على الناس. فابدأ يا شيخ بنفسك فانهها، إذ من العيب أن تنهى عن خلق وتأت مثله.
مع العلم بأن ما يقوله أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات إنما هو آيات من كتاب وأحاديث من سنة المصطفى r، ليس فيها تشويش ولا تعقيد، ولا كلام وفلسفة وهذيان!!
الوقفة الثانية: تكلم الشيخ سنان حول المولد النبوي وذكر فيه رأيين: رأي من يسميهم بالوهابية المانعين منه، ورأي المجيزين. والمعلوم أن مراده بالوهابية: أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فيُفهم من ظاهر كلامه أن تحريم الاحتفال بالمولد إنما نشأ من وقت الشيخ ابن عبد الوهاب وما بعده، وهذا بلا ريب مخالف للواقع، إذ أن تحريم المولد لم يزل منذ عهد النبي r وأصحابه بتركهم له وأهماله، إذ لو كان مشروعاً لبادروا إليه، واستمر الحال على هذا إلى أن ظهر أول ما ظهر في عهد العبيدين في القرن السادس الهجري فتكلم كثير من العلماء آنذاك في حرمته ووسموه بالبدعة، وكل هذا كان وقت الشيخ ابن عبد الوهاب، فلا أدري ما الذي حدا بالشيخ أن ينسب القول لمن يسميهم بالوهابية مُظهراً أنه خاص بهم دون من سبقهم من العلماء. وإني لأرجو أن يكون الشيخ مُنزّهاً عن إرادة التدليس والإيهام، وإلا فإن الكلام يحتمل أموراً كثيرة!!!
الوقفة الثالثة: ذكر الشيخ طائفة باسم الوهابية، ونسب إليها القول بتحريم المولد، وحتى يكون الشيخ مُنصفاً مأموناً فيما ينقل ويكتب، فإني أطالبه أن يبيّن لنا ما هي هذه الفرقة التي نعتها بالوهابية، وذلك بأن يذكر أصولها التي ترتكز عليها، إذ إني لا أعرف فرقة بهذا الاسم، ولا أعرف أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد أسس فرقة لها أصول وقواعد تُبنى عليها، وإنما كان ينتسب إلى أهل السنة والجماعة وإلى أهل الحديث، وإلى السلف، وهكذا كان كل من أتى بعده من العلماء، وهذه كتبه التي بين أيدينا شاهدة بذلك.
وعليه فأقول: إما أن يؤكد الشيخ سنان كلامه بوجود فرقة تُعرف بهذا الاسم لها أصول تمتاز بها عن أصول أهل السنة والحديث وذلك بالنقل من كتبهم ما يبين ذلك، وإما أن يرجع الشيخ عن تسميتهم بهذا الاسم، ويسميهم بالاسم الذي ارتضوه لأنفسهم، والذي ارتضاه السلف وهو اسم السنة أو الحديث أو الأثر أو السلف بدلاً من إيهام القارئ خلاف الحقيقة، وتسمية أهل السنة والأثر بما ينفّر عنهم. والشيخ يدندن كثيراً حول جمع الكلمة فنحن نطالبه بما يدعو إليه وأن يترك كل ما من شأنه أن يزيد في الفرقة والخلاف.
الوقفة الرابعة: تتعلق بما ذكره من الدعوة إلى إقرار الخلاف في الأصول والذي حصره بين مذهب السلف ومذهب الخلف، مع أن مجرد نسبة أحد المذهبين إلى السلف كافٍ في بيان وجوب التمسك به دون الآخر، إذ نحن مأمورون باتباع السلف في القول والعمل، كما في قوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه)، وغير ذلك من الآيات والآثار الدالة على ذلك كما هو مسطر في كتب السنة. وجلالة قدر من قال بمذهب الخلف لا تبيح ترك ما كان عليه السلف.
فإن قال الشيخ سنان: إنما قصدت بمذهب السلف: مذهب عامتهم لا كلهم، فنقول له: (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)، إذ من المعلوم أن الشيخ يقصد بمذهب الخلف: جواز التأويل في صفات الله تعالى، وصرفها عن الحقيقة إلى المجاز، ونحن نطالبه أن يذكر لنا ولو أثراً واحداً مسنداً صحيحاً عن أحد السلف يتأول فيه صفة من صفات الله تعالى ويصرفها عن الحقيقة إلى المجاز. فإني أعلم جزماً عدم ثبوت أي أثر عن السلف في تأويل ولو صفة واحدة لله تعالى وردت في دليل صحيح متفق على أنه يتعلق بصفة من صفات الله تعالى. وأنا أعني ما أقول بالقيد المذكور لئلا يأتينا الشيخ بآية مختلف في دلالتها على صفة الله كقوله تعالى (فأينما تولوا فثم وجه الله)، أو قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق)، ونحو ذلك مما لم يتفق السلف على كون المراد بها صفةً مضافة لله تعالى.
على أنا لو فرضنا ثبوت شيء من ذلك عن أحد السلف فإنه يكون من قبيل الشاذ المخالف لما تواتر عن السلف من وجوب إمرار الصفات على ظاهرها وترك التعرض لها بتأويل وتحريف. كما أمروا بذلك في مقولتهم المشهورة عن آيات الصفات وأحاديثها: «أمروها كما جاءت بلا كيف»، وكما في قول سفيان بن عيينة: «كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره، لا كيف ولا مثل».
وهذا الإمرار المأمور به في الصفات ليس هو تفويض المعنى كما يظنه الشيخ ومن يوافقه، وإنما هو إثبات دلالة الآية على ظاهرها اللائق بالله تعالى، من غير تعرض لها بتشبيه ولا تكييف، ولا تحريف ولا تعطيل.
ويؤكده قول الإمام مالك لما سئل عن الاستواء: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول» أي معلوم معناه وهو العلو والارتفاع، كما فسره به مجاهد وأبو العالية والربيع. وهذا يبين حقيقة مذهب السلف وأنه إثبات الصفات على ظاهرها اللائق بالله تعالى مع قطع المماثلة والتشبيه.
قال ابن عبد البر في التمهيد (7/131) في بيان كون الصفات على الحقيقة لا على المجاز: (ومن حقّ الكلام أن يُحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يُوجّه كلام الله عز وجل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله عز وجل عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه).
وقال الذهبي في العلو (ص251): (أن الظاهر يعني به أمران: أحدهما: أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب، كما قال السلف: الاستواء معلوم، وكما قال سفيان وغيره قراءتها تفسيرها، يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يُبتغى بها مضائق التأويل والتحريف، وهذا هو مذهب السلف، مع اتفاقهم أيضاً أنها لا تشبه صفات البشر بوجه، إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته).
وقال أبو عبد الله القرطبي مفسراً قول الإمام مالك (7/144): (قال مالك رحمه الله: الاستواء معلوم – يعني في اللغة – والكيف مجهول، والسؤال عن هذا بدعة).
وقد بسطت هذه المسألة بسطاً أرجو أن يكون وافياً وذلك في كتاب أسأل الله أن ييسر الله إخراجه قريباً بعنوان «الأشاعرة في ميزان أهل السنة». كما بين الشيخ حاي الحاي ذلك أيضاً في كتابه الماتع «التمييز في بيان أن مذهب الأشاعرة ليس على مذهب السلف العزيز» وكلا الكتابين ردٌّ على ما بعض ما كتبه الشيخ حمد سنان في هذه المسائل.
ومما يؤكد مباينة مذهب السلف لمذهب الخلف، وأن محاولة الجمع بينهما والتعايش على ذلك أمرٌ مخالف لما أمر الله به المؤمنين من التواصي بالحق: إجماع السلف على ترك التأويل والنكير على أهله أشد النكير.
قال محمد بن الحسن الشيباني: (اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله r في صفة الرب عز وجل من غير تغيير، ولا وصف، ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي r، وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة، لأنه قد وصفه بصفة لا شيء) [رواه اللالكائي (3/432)]
وقال العباس بن محمد الدوري: (سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام، وذكر الباب الذي يروى فيه الرؤية، والكرسي، وموضع القدمين، وضحك ربنا من قنوط عباده، وقرب غيره، وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء، وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك عز وجل قدمه فيها فتقول: قط قط، وأشباه هذه الأحاديث، فقال: هذه الأحاديث صحاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل كيف وضع قدمه؟ وكيف ضحك ؟ قلنا لا يُفسّر هذا ولا سمعنا أحداً يفسّره). [رواه الآجري في الشريعة (ص269) وغيره].
قال الذهبي معلقاً على كلام أبي عبيد كما في سير أعلام النبلاء (8/162): (قد صنف أبو عبيد كتاب «غريب الحديث» وما تعرض لأخبار الصفات الإلهية بتأويل أبداً، ولا فسر منها شيئاً، وقد أخبر بأنه ما لحق أحداً يفسرها، فلو كان والله تفسيرها سائغاً أو حتماً لأوشك أن يكون اهتمامهم بذلك فوق اهتمامهم بأحاديث الفروع والآداب، فلما لم يتعرضوا لها بتأويل، وأقروها على ما وردت عليه، علم أن ذلك هو الحق الذي لا حيدة عنه).
وكلام أبي عبيد هنا يبين معنى نهي السلف عن تفسير الصفات وأنهم يعنون بذلك تفسير الكيفية ومحاولة الإحاطة بالماهية، وهو أمر لا تحيط به العقول.
ومعلومٌ أيضاً نكير السلف على الجهمية لمّا تأوّلوا صفات الله تعالى وأخرجوها عن ظاهرها إلى مجازاتها، وكان السلف يُسمُّون كل من تأول صفة لله تعالى وصرفها عن الحقيقة إلى المجاز جهمياً، كما قاله الإمام أحمد فيمن صرف صفة الضحك لله تعالى عن الحقيقة وقال هو كضحك الزرع.
قال المروذي: «سألت أبا عبد الله عن عبد الله التيمي. فقال: صدوق، وقد كتبت عنه من الرقايق، ولكن حُكي عنه أنه ذكر حديث الضحك فقال: مثل الزرع إذا ضحك، وهذا كلام الجهمية». [إبطال التأويلات (1/218)]
ولا يخفى أيضاً شدة إنكار الإمام أحمد على الحارث المحاسبي لما سلك طريق التأويل في بعض الصفات حتى قال علي بن أبي خالد واصفاً حال الإمام أحمد لما سُئل عنه: « فرأيت أحمد قد احمر لونه، وانتفخت أوداجه وعيناه، وما رأيته هكذا قط، ثم جعل ينتفض ويقول: ذاك فعل الله به وفعل، ليس يَعرِف ذاك إلا من خبره وعرفه، أوّيه، أوّيه، أوّيه. ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره وعرفه. ذاك جالسه المغازلي ويعقوب وفلان فأخرجهم إلى رأي جهم. هلكوا بسببه». [رواه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/233-234)]
فكيف يجتمع هذا النكير العظيم من السلف على المتأولة مع الدعوة إلى التعايش والسكوت وأن يرضى كل فريق منهما بالآخر من غير نكير !!!.
الوقفة الخامسة: قال الشيخ عن أصول الاعتقاد «لأن الكلام في الاعتقاد وبالأخص في باب الأسماء والصفات أمرٌ خطير، وكم نهى الأكابر عن الخوض فيه إلا لضرورة تحكمه، وشددوا على من خاض فيه من العوام ..» إلى آخر كلامه.
أقول: هذا إنما يُقال فيما يُسمّى بأصول الاعتقاد عن المتكلمين كالأشاعرة ونحوهم ممن كثر اضطرابهم واشتدت حيرتهم بسبب خوضهم في هذا الباب بعقولهم وآرائهم، لا بالكتاب والسنة وآثار سلف الأمة. فإن العقيدة بحمد الله تعالى واضحة بيّنة لا غموض فيها ولا تعقيد، ولا فلسفة ولا كلام غير كلام الله تعالى وكلام رسوله r، وكلام الصحابة والسلف. فليس للعقيدة مصدر غير الكتاب والسنة، والمسلمون بحمد الله يقرأون كتاب الله تعالى وفيه من صفات لله تعالى ما يصعب حصره، فيقرأون قوله تعالى (إن الله يحب التوابين) وكلهم يفهم أن الله تعالى يوصف بالمحبة مع قطع المماثلة بالمخلوق لقوله تعالى (ليس كمثله شيء)، ويقرأون قوله تعال (وغضب الله عليه) ويفهمون أن الله تعالى موصوف بالغضب ممن عصاه وخالف أمره مع نفي المماثلة، وسل أي مسلم عامي في مشارق الأرض ومغاربها عن هذه الآيات يخبرك بما ذكرت، إذ أن ما يقوله الأشاعرة في هذه الصفات لا يعرفه إلا من درسه في المعاهد والمدارس، وأما الفطرة فأمرٌ وراء ذلك بحمد الله.
وكذلك الحال في سنة النبي r كقوله: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده) فكل مسلم يفهم أن الله تعالى يفرح بتوبة عبده من غير أن يماثل فرحه فرح المخلوق، لأنه سبحانه لا نظير له في صفاته كما لا نظير له في ذاته. وهكذا يُقال في جميع الآيات والأحاديث، فليس للسلف مصدر للعقيدة غير الكتاب والسنة.
فهل يُفهم من كلام الشيخ سنان أننا يجب أن ننهى الناس عن قراءة القرآن وتدبر معانيه، وعن قراءة كتب السنة كالبخاري ومسلم لئلا يقعوا فيما يسميه بالتجسيم؟!!.
لا يا شيخ، هذا الكلام تفضلت به محذِّراً الناس إنما يتوجه إلى أصحابك الأشاعرة لا إلى أهل السنة والجماعة الذين هم على الفطرة ممن لم يتلوثوا بكلام المتكلمين. فالعقيدة بحمد الله سهلة ميسرة علَّمها النبي r أصحابه كلهم: الجاهل منهم والمتعلم، الصغير والكبير، الذكر والأنثى، الأعرابي والحضري،العربي والعجمي.
الوقفة السادسة: قال الشيخ سنان داعياً الناس إلى ترك الخوض في العقائد معللاً بـ: «أن المسلم يكفيه الإيمان المجمل بالله، وأن الإسلام قد استقر في القلوب بصفة تدفع غوائل الشرك عنه». وظاهر هذا الكلام يدل على أن الشرك لا خوف منه، ولا يُتوقع وقوعه من المسلم، فلا داعي للخوض في هذا الباب لبعده أو استحالته. فإن كان الشيخ يقصد ذلك حقيقة فهي مصيبة أي مصيبة أن يُهوّن الشيخ من أمر وقوع الشرك الذي هو أعظم ما يسعى إليه إبليس، والذي حرم الله الجنة على من وقع منه، وقد أخبر النبي r بأن الشرك واقع في هذه الأمة عند انتشار الجهل، فقال r مبيناً ما سيكون من هذه الأمة: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟». ومن جملة ما وقعوا فيه: الشرك بالله تعالى وعبادة العجل ونحو ذلك كما هو حال النصارى مع عيسى عليه السلام وأمه. وقال النبي r أيضاً: «ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تَعْبَد فئام من أمتي الأوثان».
وكيف يقال ذلك مع وجود الشرك حقيقة، كحال من يستغيث بالأموات وينذر لهم، ويقرب لهم القرابين، وحال من يعتقد أن للكون غوثاً وأقطاباً يدبرون أمر العالم، وغير ذلك من ألوان الشرك بالله تعالى.
ولو كان الشرك غير واقع، فما معنى كلام العلماء عن الشرك وذكره في باب المرتد وهو المسلم الذي كفر وأشرك بعد إيمانه وبيان أنواعه والتمثيل له.
وهل سبق أن قال أحد من العلماء والأئمة أن الشرك غير واقع في هذه الأمة!!!
هذا لا يقوله إلا من هو أجهل الناس ممن يريد تبرير شرك المشركين بالله تعالى وعبّاد الصالحين والموتى الذين يصرفون محض حق الله تعالى لمن يعظمونهم من الأموات والأحياء.
والظن إن شاء الله أن الشيخ لا يقصد هذا لكونه أمراً لا خفاء فيه، ولكني أردت أن أدفع ما قد يُفهم من ظاهر كلامه.
هذا ما أحببت بيانه وتوضيحه، وأني لأرجو أن يراجع الشيخ ما كتبه، وأن لا يخوض فيما يدعو لتركه دوماً ، وإلا فإن أهل السنة بحمد الله متوافرون لا يتوانون في الرد على من خالف ولو كان له جاه ومنزلة إذ الحق أحق أن يُتبع.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.