الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد ،،
فقد كتب الدكتور محمد عبد الغفار الشريف الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف مقالاً مليئاً بالمخالفات العقدية والمنهجية ، مما استلزم بيان مواطن الزلل والخلل فيها نصحاً للعباد وتحذيراً من المنكرات والمخالفات ، ولئلا يغتر به من قرأه واطلع عليه ، والدكتور عفا الله عنه لم يزل دأبه منذ زمنٍ نشر مثل هذه المخالفات العقدية والمنهجية عبر وسائل الإعلام من صحافة وتلفاز وغيرها ، فكان من الضروري الرد عليها والتحذيرمنها .
وقد جعلت هذا الرد بعنوان
( استدراكات مهمة على كلام الدكتور محمد عبد الغفار الشريف )
واكتفيت في هذا الرد والتوضيح بإشارات مختصرة إلى ما تضمنه كلام الدكتور من مخالفات وأخطاء ، وقد كنت كتبت ابتداءاً ردا مطولاً ، لكن آثرت اختصاره رغبة في كمال النفع ، فأقول وبالله التوفيق :
أولها : خطأه الكبير في تعريف العبادة ، والذي نشأ عنه التسوية بين الطواف بالقبور ، وبين الطواف بالملعب أو السعي بين النواب لغرض دنيوي والصيام بغرض التخسيس . ولا ريب أن الفرق بينهما ظاهر إذ الطواف بالقبر يراد به التقرب والتعبد ، إما إلى الميت فيكون شركاً بالله وإما إلى الله فيكون بدعة وضلالة ، من حيث هو تعبد الله بما لم يشرعه ، والمسلمون عندما يطوفون بالبيت الحرام إنما يتعبدون الله بذلك حيث أمرهم به ، ولا يتقربون بذلك إلى ذات البيت ويعبدونه ، ولو قصد أحد ذلك لكفر ، ولذلك قال عمر رضي الله عنه عن الحجر الأسود (أني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك) أي إنما نفعل ذلك طاعة لله لا لذات الحجر . فأما الطواف بالملعب فلا يراد به التقرب إلى الله أو للملعب ، ولو نوى ذلك لكان حكمه كما سبق ، فالعبادات شيء والعادات شيء آخر ، فالعبادات أصلها التوقيف وأن لا يعبد الله إلا بما شرع ، وأما العادات فأصلها الحل والإباحة ، وقد يوافق فعل العادة صورة العبادة في الظاهر ، ولا يكون بذلك عبادة ، كمن يحني ظهره للتمرين حتى يصير كهيئة الراكع ، فهذا ليس بركوع العبادة ، ومثله ما ذكر الدكتور من الطواف حول الملعب ، فإنه موافق لصورة العبادة في الظاهر من حيث الطواف بالشيء سبعاً ، وليس هو من قبيل الطواف التعبدي ، والمعلوم أن الطواف حول القبور ليس من هذا الجنس العادي ، وإنما من الجنس التعبدي ، إذ الطائف حول القبر إنما يريد الطواف به كما يطاف بالكعبة ، فأين هذا الطواف من الطواف حول الملعب !
ثانياً : أما ما نقله عن بعض العلماء مؤكداً أن هناك من العلماء من حكم على الطواف على القبور بالكراهة فخطأ عمن نقل عنهم ، كما نقل عن الحجاوي قوله (ويكره المبيت عنده-أي القبر- وتجصيصه وتزويقه وتخليقه وتقبيله والطواف به وتبخيره وكتابة الرقاع إليه ودسها في الأنقاب والاستشفاء بالتربة من الأسقام) فإن المراد بالكراهة هنا التحريم ولا أظنه يخفى على الدكتور ذلك ، وأن الكراهة تطلق على الكراهة التحريمية ، ولذلك قال البهوتي في كشاف القناع في شرحه لكلام الحجاوي (لأن ذلك كله من البدع) ولا ريب أن البدع محرمة ، والحنابلة من أشد الناس في السنة والنهي عن البدعة كما هو معلوم ، ويؤكد هذا أن العالم الحنبلي قد يعبر في موضع بلفظ الكراهة وفي موضع آخر بلفظ التحريم ، كما فعله الشيخ مرعي الحنبلي حيث عبر في كتاب دليل الطالب كما ذكره الدكتور عنه بلفظ (ويكره) ، بينما قال في غاية المنتهى (ويحرم إسراجها وكذا طواف بها) ، وقد نقل البهوتي الحنبلي في شرح المنتهى الاتفاق على ذلك فقال في شرح قول ابن النجار (ويحرم الطواف بها) : بل بغير البيت العتيق اتفاقاً) مما يؤكد أن المراد بالكراهة هنا هو الكراهة التحريمية .
وأما الجواب عمن نقل عنهم الحكم بالكراهة فهو كالجواب هنا وهو أن الكراهة في عباراتهم المراد بها التحريم، ولذلك يقولون (بدعة مكروهة) أي محرمة، هذا أمر
والأمر الثاني هو قوله باختلاف العلماء في الطواف بالقبور بين الحرمة والكراهة ، غفلة عظيمة ، وخطأ جسيم ، إذ تحريم الطواف بغير الكعبة عموماً وبالقبور خصوصاً ، مع ما يدل على تحريمه في الشرع ، فهو أمر متفق عليه بين العلماء بلا خلاف بينهم ، وقد نقل غير واحد من أهل العلم الاتفاق على ذلك ، منهم العز بن جماعة في هداية السالك (3/1391) حيث قال : (لا يجوز أن يطاف بقبره صلى الله عليه وسلم ، ولا ببناء غير الكعبة الشريفة بالاتفاق) وكذا النووي في المجموع (8/257) 🙁 لا يجوز أن يطاف بقبره صلى الله عليه وسلم ..إلى قوله : هذا هو الصواب الذي عليه العلماء وأطبقوا عليه ، ولا يغتر بمخالفة كثير من العوام وفعلهم ذلك ، فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بالأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء ، ولا يلتفت إلى محدثات العوام وغيرهم وجهالاتهم) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (26/250) : ( فإن الطواف بغير البيت العتيق لا يجوز باتفاق المسلمين) ، فإذا كان هذا الاتفاق في قبر نبينا صلى الله عليه وسلم فكيف بقبر من هو دونه ! هذا أمر
والأمر الثالث : أن الحكم على الطواف بالقبور بالكراهة قولٌ باطل بأدنى تأمل ، ولا يُتصور أن يقوله فقيه البتة ، لأنه من المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن الطواف عبادة مختصة بالكعبة فقط ، وأن الشريعة قد حرمت وغلظت فيما هو أخف من الطواف بالقبر ، فحرمت رفع القبر عن غيره من القبور ولو من غير بناء ، وحرمت أن يُزاد عليه من غير ترابه ، وأن يُبنى عليه ، وأن يُكتب عليه ، وحرمت الصلاة في المقبرة ، ومنعت من قراءة القرآن فيها ، فهل يتصور عاقل فضلاً عن فقيه أن الشريعة تمنع وتحرم ما ذكرناه وتغلظ فيه ، ثم تحكم بالكراهة فقط على الطواف بالقبر ! سبحانك هذا بهتانٌ عظيم . وحال من يقول بذلك كحال من يحرّم قول الابن لوالديه (أف) ويكره له فقط أن يضربهما !!!
والأمر الثالث والأهم أن الحجة في الكتاب والسنة والمرد إليهما عند التنازع لا إلى أقوال العلماء كما قال تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) وأقوال العلماء يحتج لها ولا يحتج بها .
ثالثاً : ما نقله عن الذهبي من الحكم بالمعصية دون الكفر على من سجد لقبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فخطأ مخالف للدليل ، لأن السجود عبادة ، بل من أجل العبادات ، وقد حرم الله في هذه الشريعة السجود للأشخاص الأحياء على سبيل التحية فكيف بالأموات والقبور ، وتوجيه كلام الذهبي هو كون السجود للأشخاص كان تحية مشروعة في الأمم السابقة ، وهذه شبهة تمنع الحكم بالكفر على الساجد لاحتمال إرادته ذلك ، مع كون هذا القول ضعيفاً ، لأن هذا الأمر ربما يكون شبهة في وقت النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل معاذ رضي الله عنه به ، أما بعدما استقرت الشريعة وعرف المسلمون ضرورة أن السجود لا يكون إلا لله ، حينها انتفت الشبهة . ومع ذلك ففرق بين هذا وبين الطواف بالقبر ، لأن الطواف بالقبور والأشخاص لم يشرع لا في شريعتنا ولا في الشرائع السابقة ، بخلاف سجود تحية .
وأما ما أحال إليه من المراجع بعد نقله لكلام الذهبي فهو يشعر القارئ بأن هذه المراجع تتكلم عن مسألة السجود للقبر ، بينما هي تتكلم عن التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا تدليس منه عفا الله عنه ، إذ التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم كشعره وثوبه ونحو ذلك مما لا يُنكر لأن الصحابة رضي الله عنهم فعلوه به صلوات ربي وسلامه وعليه ، وإنما المنكر أن يتبرك أحد بآثار أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الصحابة لم يفعلوه ، ولا في أعظم الناس بعد الأنبياء وهم العشرة المبشرون بالجنة وسائر الصحابة . وإنما نفعل نحن ونتعبد بما تعبد به الصحابة ، من غير ابتداع .
رابعاً : لعل من أخطر أقوال الدكتور هداه الله ، هو قوله ( فهل يمتنع أن يخلق الله مثل تلك القدرات للأموات ، وهو الذي خلق قدرة النطق والإرادة للجماد كما في حنين الجذع ) وهذا عند التأمل يفتح باب الوثنية على مصراعيه ، إذ يلزم بناءاً على كلامه ، أن تقبل دعوى من يدعي علم الغيب ، وإحياء الموتى ، بدعوى أنه لا يمتنع على الله ذلك ، وآخر يدعي نفع الشجر والحجر في قضاء حاجات الناس بدعوى أن الله قادر على ذلك حيث أنطق الجماد ، وهكذا حتى يكون كل من أراد أن يعبد شيئاً إنساً أو حجراً أو شجراً فله ذلك ، بدعوى الدكتور أنه لا يمتنع على الله ذلك وهو القادر على كل شيء . فإن قال الدكتور : لا ، لا ، أبداً لا يجوز طلب الحاجات من الشجر والحجر والجن والملائكة ، لأن الله نهانا عن ذلك وحكم بكفر من فعله ، فنقول كذلك في دعاء الأموات والاستغاثة بهم وسؤالهم الحاجات قد نهانا الله عنه وبين بأنهم لا يسمعون ، ولا يجيبون وبأن هذا كفر وشرك ، قال تعالى (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير . إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم . ولو سمعوا ما استجابوا لكم . ويوم القيامة يكفرون بشرككم ) فانظر كيف سمّى الله دعاء الموات شركاً ، وقال (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون . وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءاً وكانوا بعبادتهم كافرين ) فسمى الله دعاء الأموات عبادة لهم ، و”من” كما هو معلوم للعاقل ، مما يبين بأن الآية فيمن دعا الأنبياء والأولياء والجن والملائكةّ .
خامساً : وأما ما ذكره من كون المولد مستحب ، وأنه بدعة مستحبة ، فخطأ ظاهر ، إذ كيف يكون مستحباً أن نتعبد الله بما لم يتعبد به النبي صلى الله عليه وسلم ربه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود غير مقبول ، ولم يتعبد به الصحابة أيضاً ، بل ولا القرون الخمس الأول ، وهل هذا إلا مثال جيد لتعريف البدعة وهي (التعبد لله بما لم يشرعه) ، ومعلوم أن كل ما وجد سببه والمقتضي له في عهده صلى الله عليه وسلم ولم يكن منه مانع فتركه النبي صلى الله عليه وسلم ، فالسنة تركه ، والمولد منه ، إذ الدافع له هو إحياء ذكرى النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار حبه في القلوب ، وهو أمر مطلوب في كل زمان ، فما بال الصحابة تركوه مع عظم تعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ما بال من بعدهم من الأئمة إلى القرن الخامس تركوه مع وجود المقتضي وعدم المانع . أما ما استدل به الدكتور من كلام من أجازه ، فهي أقوال علماء ليست أقوالهم حجة في دين الله مبيحة لما حرم الله ، وإنما الحجة الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة لا ما قاله من بعدهم ولو كان له سابقة وعلم . قال عمر بن عبد العزيز كلمته المشهورة ووصيته العظيمة في شأن ما أحدثه الناس بعد الصحابة من الأمور : (فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه–أي الصحابة-، ولئن قلتم إنما حدث بعدهم، ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون) ، ولو كانت أقوال الرجال حجة في دين الله فقد خالفهم من هم أعلم وأجل منهم من أمثال الأئمة الأربعة وابن تيمية وابن القيم والشاطبي وغيرهم كثير إلى يومنا هذا .
وأما استشكاله لكلام الشيخ العلامة الفوزان من كونه فسر كلام ابن تيمية في (أن بعض من يفعل الموالد يؤجرون عليه ) أن المراد به الأجر على نيتهم لا على المولد ، وظن الدكتور أن هذا ملزم للشيخ بالقول فيمن يطوف على القبور بنية التقرب لله أن يؤجر على نيته لا على طوافه ، فخلط عجيب وغريب أن يصدر من مثل الدكتور وهو من ينسب إلى العلم ، فإن الفرق بين الأمرين أن المولد قد يفعله العبد جهلاً منه بأنه بدعة وتقليداً لمن أفتاه فيؤجر على نيته ، والمعلوم أن الدافع لإقامة الموالد هو إظهار محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه ، وهو أمر مشروع في الجملة ، بل لا يتم الإيمان إلا به من حيث أصل الحب والتعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم ، فهنا تطرأ الشبهة على فاعل المولد من حيث أنه قصد أمراً مشروعاً في أصله وهو تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته لا في نوعه وهو المولد ، وهذا بخلاف الطواف على القبر فإنه غير مشروع لا أصلاً ولا نوعاً فالشبهة فيه متعذرة ، فكيف يقاس هذا على هذا .
سادساً : ما ذكره من تقسيم البدعة إلى بدعة سيئة وبدعة حسنة ، مصادم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة) والمعلوم أن “كل” نص في العموم . وأما ذكره لأقوال من قسموا البدعة إلى حسنة ومستحبة ، فمنهم من أراد بالمحدثة غير المذمومة ما كان في الأمور الدنيوية لا التعبدية كالشافعي والعز بن عبد السلام ، ثم لو صح عنهم ذلك فلا تعدوا كونها كما سبق بيانه أقوال أشخاص ليست أقوالهم بحجة في الدين ، وقد خطأهم المحققون من العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشاطبي والألوسي وغيرهم كثير ، ولا يلزم من هذا أن تكون الأمور المحدثة من التنظيمات الوزارية ومكبرات الصوت ونحو ذلك من البدع المحدثة ، كما سبق أن ذكر الدكتور ذلك في مواضع أخر ، إذ أن الابتداع المنهي عنه ما كان في الدين ، كأن نحدث عبادة جديدة نتقرب بها إلى الله ، أما ما كان من الأمور الدنيوية التي ينتفع بها الناس في معاشهم ، وتقوم بها مصالحهم ، فإذا لم يرد منع منها في الشرع فهي على الحل والإباحة ، وهي التي يسميها بعض العلماء بالمصالح المرسلة ، وقد يستعان بهذه الأمور الدنيوية المحدثة في مصلحة الدين ويؤجر عليها العبد ، كمكبرات الصوت وتقسيم الفنون إلى فقه وعقيدة وحديث ونحو ذلك ، وإقامة الدورات ، ومنها أن يتقوى بالرياضة للجهاد والقيام ، كما قال علي رضي الله عنه ( إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي) ، فإن هذا لا يجعلها عبادات حتى تدخل في حيز البدع ، وإنما هي عادات يؤجر العبد على الاستعانة بها على الطاعة ، ولا يريد فاعلها أن يتعبد الله بها ، فلا يكون النوم حينئذ عبادة ولا الرياضة ولا استخدام المكبر ، وإنما الأجر يكون بأن يستعين بها في طاعة الله وعبادته ، وهذا أجر النية ، وهو أمر يختلف عن إحداث نوع من العبادة يخصصها في يوم معين وهيئة معينة وطريقة معينة يتعبد الله بها ، كما هو الحال في المولد .
سابعاً: قول الدكتور أن الصحابة لم يكسروا الأصنام ، مستدلاً بهذا على أنها لا تكسر بل تترك من باب التسامح مع الأديان ، فهذا مصادم مصادمة صريحة لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم به من كسر الأصنام وطمس التماثيل المعبودة وغيرها ، فقد كسر النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام في مكة ، وبعث بكسر الأصنام خارجها ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في ما رواه مسلم في كلام له جامع وهو يوصي علي بن أبي طالب رضي الله عنه (لا تدع تمثالاً إلا طمسته ) وفي لفظ (إلا كسرته) وكلمة “تمثال” نكرة في سياق النهي تفيد العموم ، فهو يعم كل تمثال ، سواء كان معبوداً أو غير معبود . وأمر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه أن يقطع رأس التمثال كما عند أبي داود وصححه الترمذي .
وأما ما ذكره من مدائن صالح فليس فيها تماثيل وإنما هي نحوتات في الجبال على البيوت ، وأما أبو الهول والأصنام التي في مصر ، فإنه لم يثبت أن الصحابة لما دخلوا مصر اطلعوا عليها وتركوها ، وإنما المعروف أن كثيراً منها كان مدفوناً تحت الرمال ولم يكتشف إلا قريباً قبل ما يقرب من مائة سنة أو نحوها ، ثم لو فرضنا جدلاً أن الصحابة اطلعوا عليها ، ووجدوها ، مع أنه لم يكن ، فلعلهم لم يقدروا على تكسيرها ، وأما من أتى بعدهم من القرون فليس إبقاء السلاطين للأصنام -إن ثبت عنهم- دليل في الشرع تترك لأجله الأحاديث المستفيضة الآمرة بكسر التماثيل والأصنام عموماً ، ومن المعلوم أن السنة هي الحاكمة على أفعال الناس ، لا العكس .
هذا ما تيسر بيانه على عجالة ، ولعل فيه كفاية لطالب الحق ومقنع للمنصف . والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .