الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد،
فإن من الصيحات الجديدة لدى بعض الشباب وطلبة العلم المبتدئين المناداة بطلب العلم عن طريق التمذهب بمذهب من المذاهب الأربعة المعروفة، والاعتناء بمتونه ولزوم أقوال أئمته، وعدم الخروج عنها إلا ما ندر، وحصر البحث عن الراجح من الأقوال في إطار المذهب لا خارجه، وهذه عند التحقيق دعوى يتجاذبها طرفان ووسط، وليس مقصودي هنا الكلام حول هذه الدعوى بالخصوص وبيان ما اشتملت عليه من حق أو باطل، وإنما المقصود التنبيه على انحراف بعض من ينتحل هذه الدعوى وينادى بها، حتى صار له أتباع ومتابعون، ممن خرج عن جادة العلماء وسلك غير سبيلهم في العلم والأدب والمنهج، حيث تصدر قبل أن يتأهل، وتزبّب قبل أن يتحصرم، وصأصأ ولمّا يُفقِّح، وهو الشاب الذي لم يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره والمعروف بمحمد بن عبد الواحد المصري المقيم في قطر، والذي يُلقّب نفسه بالأزهري الحنبلي، على أن تصدّره ليس وليد اليوم بل منذ سنين، لكنه اليوم يُعدّ من أبرز رؤوس هذا التوجه على صغر سنه.
والحقيقة أنني تتبعت بعض مقالاته وآرائه المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض أجوبته عبر برنامج ASKfm، فاستبان لي ما منه انحراف فكري ومنهجي وخُلُقي، حتى أشفقت على متابعيه والمتأثرين به، فرأيت من الواجب عليّ التحذير منه ومن مسلكه، وتنبيه الشباب الأغمار على حقيقة أمره.
وهذا الشاب المتعجّل –هدانا الله وإياه- لم يكتف بتصدره قبل تأهله، بل جمع إلى ذلك الجرأة على الفتيا في مسائل معاصرة بما يخالف علماء العصر وأئمة هذا الزمان، وليته اكتفى بذلك أيضاً بل زاد عليه ازدراء العلماء وانتقاصهم والوقيعة فيهم والتحذير من مناهجهم، في الوقت الذي يثني فيه على المبتدعة والمتعالمين المشاركين له في التصدّر والجرأة، بل والانحراف في المنهج كما سيأتي توضيحه، وجَمَع مع ذلك لساناً بذيئاً يتنزه عنه عوام الناس فضلاً عن خواصهم.
ولعلي أشير إلى بعض هذه الانحرافات في النقاط التالية، مع التنبيه على أنني لست بصدد الردّ على كل ما سأنقله عنه، وبيان عواره، دفعاً للإطالة، لكنني قد أنبه على بعض ذلك، وأعلق عليه بما يبين وجه الخلل في كلامه، ويوضح مواضع النقد عليه:
أولاً: الوقيعة في بعض علماء أهل السنة والجماعة وتنقصهم
ومن أمثلة ذلك:
1- انتقاصه للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-:
– فقال –هدانا الله وإياه- في جواب له: (أما الشيخ محمد بن عبد الوهاب فليس إماماً عندي ولا مجدداً، واللي مش عاجبه يطق راسه في الطوفة؟!).
قلت: وهل يحتاج الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى تزكية أمثال هذا المسكين؟! كيف وقد زكته دلائل الكتاب والسنّة، وشهد له عمل سلف الأمة، فإنه كان من أئمة الداعين إلى تجريد التوحيد لله تعالى والاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم، متبعاً لا مبتدعاً، ومقتدياً لا مبتدياً، زكاه أئمة العلم، وتتابعوا على النهل من علومه وفوائده، عاكفين على دراسة كتبه ومؤلفاته، معتنين بها شرحاً وتدريساً ونشراً.
وهذا المسكين يبدو أنه لا يعرف حقيقة الدعوة التي دعا إليها الإمام محمد بن عبد الوهاب، القائمة على تجريد التوحيد لله تعالى، والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف معنى الإمامة في الدين، ولا التجديد الذين نفاهما عن الإمام محمد بن عبد الوهاب مع تحققهما فيه غاية التحقق، فالإمام هو المقتدى به، المُتَّبَع فيما دعا إليه، حتى صار له أتباع يحملون دعوته وينشرون علمه من بعده، والمجدد هو المحيي لما اندرس من دين الإسلام، القائم بنصرة الشريعة، وله علامات ذكرها أهل العلم، قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن –رحمه الله-: (أوضحها وأجلاها وأصدقها وأولاها؛ محبة الرعيل الأول من هذه الأمة، والعلم بما كانوا عليه من أصول الدين، وقواعده المهمة، التي أصلها الأصيل، وأسها الأكبر الجليل: معرفة الله بصفات كماله، ونعوت جلاله…) [الدرر السنية 9/72].
– وقال محمد بن عبد الواحد –هدانا الله وإياه- أيضًا في موضع آخر: (الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يمثل ابن تيمية ولم يفهمه).
– وقال عن الوهابية: (داعش خوارج جهال، وعدم عذرهم بالجهل هم فيه أبناء الوهابية).
– وقال أيضاً في مسألة العذر بالجهل: (وهو من غلو الوهابية).
– ولما سُئل عن معنى قوله: “غلو الوهابية”، أجاب بقوله: (يعني من أخطائهم المبنية على الغلو والجهل بدين الله، وهذا أقوله منذ سنوات؟! … ولست أقوله اليوم فقط).
– وعرّف –هدانا الله وإياه- مراده بالوهابية بقوله: (الوهابية أعني بهم: أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذين لا يخرجون عن أقواله، الذين يدورون في فلك “الدرر السنية” وكتب القوم لا يخرجون عنها).
قلت: كلامه يشمل جميع أئمة الدعوة النجدية المتقدمين والمتأخرين منهم من أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله-، وصالح الفوزان –حفظه الله-، وكل علماء المملكة عموماً، لأنهم يُجلّون الإمام محمد بن عبد الوهاب، ويُعدونه إمام هدى، ويعتنون بكتبه وكتب أئمة الدعوة من بعده، ويحرصون على مجاميعهم التي من أبرزها “الدرر السنية”، ويوصون بها، ولم يُنقل عن أحد منهم انتقاصها أو نقدها!
– وقال محمد بن عبد الواحد –هدانا الله وإياه- في منشور له قبل سنوات: (الأزمة قديمة منذ استوردنا النموذج النجدي غير مفرقين بين الثوابت والمتغيرات، ولا بين العبادات والعقائد والأعراف).
2- انتقاصه المحدث محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله-
– قال محمد بن عبد الواحد –هدانا الله وإياه- في جواب له: (إن الشيخ الألباني ما دخل علماً إلا أفسده).
– وقال فيمن يعتقد أن المحدث الألباني أعلم أهل الأرض بالسنة وأكثرهم اطلاعاً على الحديث والآثار: (حمقى مضحوك عليهم).
3- طعنه في العلماء السلفيين الذي يفتون الناس بما ترجح لديهم بالدليل بدون التقيد بمذهب معين، وهو الذي عليه علماء الوقت من أمثال: الشيخ ابن باز والعثيمين والعباد والفوزان –رحم الله الأموات منهم وحفظ الأحياء- وغيرهم، فضلاً عن الألباني، وهو يعبّر عنهم في كلامه بـ”السلفية المعاصرة”.
– فقال في جواب له: (وأنا رجل لا أرى هذه الطائفة إلى على فساد عظيم وضلال كبير، وأنها لا تمثل السلف ولا ابن تيمية حتى)، ثم مثّل –هدانا الله وإياه- بمحمد بن عبد الوهاب وأتباعه.
– وقال في موضع آخر: (إن منهج هؤلاء في الفقه منهج ضال)، كما أنه وافق غيره على قوله: (إنه كمنهج الخوارج قديماً).
– وقال: (العقلية السلفية المعاصرة إذا دخلت علماً أفسدته، أو شرحت متناً حرّفته، أو في علاقة قلبتها نكداً).
– وقال: (إن السلفية المعاصرة ظلمت شيخ الإسلام ابن تيمية وشوهته بانتسابها إليه، وهم أبعد الناس عن فهمه وقراءته قراءة صحيحة واستيعابه).
– وقال في جواب له مصححاً تقسيم البدع إلى خمسة أقسام: (وفك نفسك من طريقة السلفية المعاصرة في البدع، واطلع من شرنقتهم عشان ربنا يكرمك وتفهم المسألة وتحررها صح. نصيحة تمسك بها).
– وقال: (ولا يجتمع عقل وتعصب، ولا علم حقيقي وسلفية معاصرة، خذها من رجل “هرس” السلفية المعاصرة وحفظ كتب أعلامها وشرحها سنوات وانغمس فيها).
قلت: هو هنا يعلن توبته ورجوعه عن تدريس وشرح كتب السلفيين المعاصرين كما يسميهم ومن أهمها كتب الإمام محمد بن عبد الوهاب وعلماء المملكة إلى يومنا هذا.
– وقال في سخريته عن الإفتاء بما يترجح للمفتي بالدليل من غير التقيد بمذهب معين، حيث سئل: (من أول من تمذهب على مذهب الإمام الراجح؟ ومن ابتدع هذا الأمر المفجع؟). فأجاب: (الخوارج زمن الصحابة).
4- انتقاصه علماء المملكة العربية السعودية بالخصوص
– فقد سأله سائل قائلاً: (والله الحكومة السعودية ومع احترامي لبعض مشايخها تافهين جدا تاركين كل امور وقضايا الأمة وبيحكوا عن قيادة المرأة!!) فأجاب –هدانا الله وإياه-: (بيلهوا المشايخ ويضحكوا عليهم، وبهم على الناس).
– وقال ساخراً من وصف السعودية بـ “بلد التوحيد”: (وسيبك من الشعارات بتاعت بلد التوحيد والحاجات التي بتسكتوا بها الناس دي!)
– وقال: (“السعودية بلد التوحيد”، ومصر الشام وبقية الخليج؛ بلاد شرك يعني؟!).
- 5- وصفه الشيخ محمد سعيد رسلان بالمجرم الأفاك
- – فقد قال في جواب سؤال يقول فيه السائل: (اشتركت في “جامعة منهاج النبوة” دراسة اونلاين، تابعة للشيخ محمد سعيد رسلان أُكمل بها؟)، فأجاب: (ابتعد عن هذا المجرم الأفاك وعن كل ما يمت له بصلة).
ثانياً: ثناؤه على أهل البدع والمنحرفين منهجياً ومدح كتبهم ومؤلفاتهم والوصاية بها.
محمد بن عبد الواحد –هدانا الله وإياه- في الوقت الذي ينتقص فيه علماء أهل السنة والجماعة، ويحط من قدر طلبة العلم فيهم ويسخر من دعاتهم، يمتدح أهل البدع ويثني عليهم، ويعتذر عن أخطائهم بعبارات تدل على احترام وتوقير وتبجيل لهؤلاء المبتدعين، كما أنه يقابل طعنه بكتب علماء أهل السنة ومؤلفاتهم كما أشرنا إليه بمدح كتب أهل البدع والثناء عليها والوصاية بها.
ومن أمثلة ذلك:
1- قوله عن البوطي: (عالم كبير، وكتبه نافعة جداً، ككتابه في السيرة وضوابط المصلحة واللامذهبية، ولكن مواقفه من السلطان قبيحة وضلال عظيم، والله يتولى عباده ويحاسبهم، وهو مسلم يجوز الترحم عليه كغيره).
- 2- وقال في حق سيد قطب لما سئل عن كتابه “معالم في الطريق”: (كتاب مهم من حيث أثره فيمن بعده، تعرف منه وتنكر، فيه معان جيدة وإطلاقات خاطئة، الناس فيه كصاحبه؛ طرفان ووسط، رحم الله الشهيد سيد قطب ولعن الله قاتله).
قلت: عجباً لأمر هذا الرجل، يثني على أهم كتاب يستقي منه الخوارج المعاصرون فكرهم، ويحط من قدر كتب أئمة الدعوة النجدية السلفية المليئة برد شبهات الخوارج، وفضح مناهجهم، والتحذير من مسالكهم.
- 3- سأله سائل قائلاً: (هل ابن عثيمين قال: لا تسمعوا لسلمان العودة، هذا منتشر بعد خبر اعتقال الشيخ هل هذا صحيح؟) فأجاب: (سيبك من هبل الجامية ده الله يبارك لك، وحتى لو قال مش قرآن يعني، ومفيش داعي للكلام، كتب الشيخ نافعة لا تحتاج شهادة من أحد، فك الله أسر الشيخ وكل مأسور وانتقم الله من الظالمين).
قلت: وتأمل قوله “فك الله أسره” فإن الأصل أن الأسير المسلم هو من كان في أيدي الكفار المحاربين، وتأمل قوله: “وانتقم الله من الظالمين”!؟
قلت: وقد أوصى –هدانا الله وإياه- بكتب سلمان العودة مراراً، وبكتب محمد قطب وإبراهيم السكران ونحوهم من الجماعة القطبية.
- 4- ولما سئل عن عبد العزيز الطريفي الذي لا يزال موقوفاً في المملكة العربية لسعودية بسبب انحراف فكره ونزعته الخارجية، وشذوذه عن العلماء وتعالمه -وهو قريب من عمر محمد بن عبد الواحد، فكلاهما في منتصف الثلاثينيات-، قال في الجواب: (رجل فاضل من أهل العلم ذو مروءة ودين، ليس من علماء السلطان ولا الآكلين بدينهم، أسأل الله أن يفرج عنه ويحفظه من بين يديه ومن خلفه، وأما التقييم العلمي فليس هذا محله، إذ ليس من المروءة الكلام على شخص مبتلى بسبب دينه وقوته في الحق).
ثالثاً: انحرافه عما يجب لولاة أمور المسلمين من النصيحة والدعاء ولزوم جماعتهم والصبر على جورهم.
فإن محمد بن عبد الواحد –هدانا الله وإياه- قد ترك ما يجب لولاة أمور المسلمين من الحقوق، واشتغل بالوقيعة فيهم وسبهم وتأليب الناس عليهم والدعوة إلى نقدهم علناً وبوقاحة أيضاً.
ومن أمثلة ذلك:
1- سبه مراراً وتكراراً لرئيس جمهورية مصر عبد الفتاح السيسي، وسب من لم يسبه ويقدح فيه.
- – فقال في جواب سؤال له: (اللي لحد الآن لسه مش شايف أن السيسي عدو للدين وللبلد ومجرم وفاجر، وأن حقبته أسوأ حقبة مرت على البلد منذ صارت جمهورية على جميع الأصعدة، فهذا لا أمل في أن يكون إنساناً يطمئن المرء للعيش معه ويأتمنه أن يربي أولاده).
- – وقال أيضًا: (وأخزى الله هذا المجرم السيسي ومن أيده وشايعه وعلى رأسهم حزب النور المجرمون الخونة).
- – وعندما سئل: (ما سر إطلاق بلح وبلحة على الأشياء الغبية والناس الأغبياء عند أهل مصر؟)، أجاب ساخراً: (لعل تخريجها على أمرين:… أن السيسي يشبه بعض أنواع البلح، فاستعير البلح لكل من يشبه السيسي في غبائه وعتهه).
- – وقال في جواب سؤال عن رأيه في حزب النور: (مجرمون، أحذية سلاطين، خرق بالية تمسح بها الحيض والنتن، خونة، وقبل ذلك ومعه: جهال).
قلت: وذلك بسبب وقوفهم مع السيسي في أحداث يوليو.
وقد قال في الحكم عليهم: (لولا التأويل لكفرنا رؤوسهم).
2- تجويز الإنكار العلني على ولاة أمور المسلمين، وعدم اعتبار إمامتهم إذا خالفوا الشريعة
- – فقد سأله سائل قائلاً: (متى يكون الحاكم “ولي أمر شرعي”؟ وهل إنكار منكر الأنظمة المعاصرة جهرا يعد خروجا؟)، فأجاب: (لما يسوس الناس بدين الله، وإنكار منكرات الحكام ليس خروجاً، بل هو من أعظم القربات لكن بعلم وعدل وحكمة).
قلت: قوله: “يسوس الناس بدين الله” الذي يظهر أن مراده بذلك: من يحكم بالشريعة كلها، ولا يحتكم إلى شيء من القوانين الوضعية، وهذا خطأ كبير، وهو عين الشبهة التي يستند إليها الخوارج في تجويز الخروج على ولاة أمور المسلمين، فإن تحكيم القوانين ليس كفراً ناقلاً عن الملة بمجرده على ما تدل عليه الأدلة حتى يقترن به الاستحلال أو التفضيل أو جحد الحكم بالشريعة، وحتى من يرى التكفير به من العلماء لا يُسوِّغ الخروج به لكونه ليس مما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان» [متفق عليه]
ثم إن قوله في إنكار منكر الأنظمة جهراً: “من أعظم القربات”، هو مذهب الخوارج الذين كانوا أول من أظهر الإنكار على الولاة جهراً حتى آل الأمر إلى الخروج عليهم وقتلهم.
3- وصفه للمعتصمين في ميدان رابعة العدوية في أحداث مصر بالأبطال
– فقد قال في ذكرى فض تجمع ميدان رابعة العدوية بمصر: (أقول: رحم الله هؤلاء الصفوة الأبطال ورفع درجاتهم في المهديين، وأخلفهم في عقبهم في الغابرين! ولعن الله من قتلهم أو شارك فيه ولو برأي أو منع وقوع، أو أيّد قتلهم، أو رضي به، وأرانا فيهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين. وأخزى الله هذا المجرم السيسي ومن أيده وشايعه وعلى رأسهم حزب النور المجرمون الخونة).
قلت: وموضع النقد وصفه لهم بالبطولة على الرغم من مخالفتهم لما جاء في النصوص من وجوب لزوم الجماعة والصبر على جور الحاكم، وهذا النقد لا يعني بحال تسويغ قتلهم عياذاً بالله.
رابعاً: خروجه عن سمت أهل العلم ببذاءة لسانه وقلة أدبه
الشاب محمد بن عبد الواحد –هدانا الله وإياه- أجوبته للأسف مليئة بعبارات بذيئة تنم عن قلة أدب وخروج عن سمت أهل العلم، وقد كان السلف لا يأخذون العلم إلا عمن عُرف حسن سمته وتخلقه بأخلاق أهل العلم.
فقد عقد ابن مفلح فصلاً في كتابه “الآداب الشرعية” بعنوان: (فصل في تعلم الأدب وحسن السمت والسيرة والمعاشرة والاقتصاد)، وفصلاً آخر بعنوان: (فصل في سمت العلماء الذين يؤخذ عنهم الحديث والعلم وهديهم)، ذكر في هذين الفصلين آثاراً كثيرة عن السلف في أهمية التزام سمت العلماء وهديهم، وعدم أخذ العلم إلا عمن حسن سمته وظهر أدبه، حري بكل طالب علم أن يرجع إلى هذين الفصلين لمسيس الحاجة إليهما في هذا العصر.
ومن جملة ما جاء فيهما قول ابن مفلح –رحمه الله-: (روى الخلال في أخلاق الإمام أحمد عن إبراهيم قال: كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى صلاته وإلى سمته وإلى هيئته ثم يأخذون عنه وقد سبق. وعن الأعمش قال: كانوا يتعلمون من الفقيه كل شيء حتى لباسه ونعليه. وقيل لابن المبارك أين تريد؟ قال: إلى البصرة، فقيل له من بقي؟ فقال ابن عون آخذ من أخلاقه آخذ من آدابه. وقال عبد الرحمن بن مهدي: كنا نأتي الرجل ما نريد علمه ليس إلا أن نتعلم من هديه وسمته ودله، وكان علي بن المديني وغير واحد يحضرون عند يحيى بن سعيد القطان ما يريدون أن يسمعوا شيئا إلا ينظروا إلى هديه وسمته.) [الآداب الشرعية 2/145].
وإليك أخي القارئ بعض عبارات محمد بن عبد الواحد في بعض أجوبته:
- – (واللي مش عاجبه يطق راسه في الطوفة).
- – (وقائل هذا بهيمة لا يفهم).
- – (بتقول لي: قال رسول الله إيه يا حمار؟!)
- – (مصر لها مذهب خامس، وهو الهري!).
– (قاتلكم الله من معشر هطل وقوم مطل، وكفاية عشان أنا مبتفاهمش مع الأوباش والأوساخ، ببلك فورا، ولو أمامي لضربتكم بالنعال).
- – (نعم شايف نفسي بارك الله فيك، ولا أراكم أصلاً رضي الله عنك).
- – (وهو استهبال محض)
- – ولما سئل: (أنت متخصص في إيه؟) أجاب: (نمص وحرق دم السلفيين).
- – ولما سئل: (ما رأي حضرتك في عمر عبد الكافي والعريفي ونبيل العوضي؟) أجاب: (رأيي أن المبدع توم فورد بيعمل عطور تجنن، هو والأستاذ تاور)؟
- – ولما سُئل عن حكم أعياد الميلاد، أجاب بقوله: (هو حلال، والكيكة حلال، وحزب النور حزب ضلال، طبعاً دخلنا حزب النور عشان السياق العام للأجوبة اليوم، فبنشتمهم دون أدنى سبب، وعشان القافية حكمت).
قلت: ومثل هذا كثير في أجوبته عن أسئلة السائلين، وهو ينم عن سوء أدب وخروج عن سمت أهل العلم والديانة.
ومن أمثلة خروجه عن سمت العلماء أيضًا: حديثه عن العطورات وأنواعها، وإرشاده النساء عن أفضل العطور وأزكاها.
ومن صور خروجه عن سمت أهل العلم أيضاً: نشر صوره في حساباته بألبسة وأحوال مختلفة، فمرة بالثوب، ومرة بالبنطال، ومرة حاسر الرأس، ومرة ساتر الرأس، ومرة وهو يلاعب الخيل، ومرة قارئاً، ومرة سائقا وهلم جرا.
خامساً: شذوذه في الفتيا وجرأته عليها
الشاب محمد بن عبد الواحد -هدانا الله وإياه- عنده جرأة على الفتيا عجيبة، فتراه يتصدر لها، ويستقبل أسئلة الناس على اختلاف موضوعاتها في وسائل التواصل، حتى لا تكاد تراه يجيب بـ “لا أعلم”، وليته يكتفي بالإجابات الشفوية أو الخاصة، بل ينشرها في حساباته ويذيعها على ما فيها من الأخطاء والأسلوب السوقي الذي سبق أن أشرت إليه.
وليت هذا فحسب، بل يشذ في فتاواه ويخالف ما عليه أئمة الفتوى في هذا الزمان، وما عليه المجامع الفقهية ومؤسسات الفتيا الموثوق بها، ومن أمثلة ذلك: فتواه في النمص، وفي الاحتفال بأعياد الميلاد، وفي التدخين، وفي قراءة القرآن في المقابر، وغير ذلك من أنواع الشذوذ، وهذه الفتاوى قد تُقبل من العالم المجتهد، ويُعتذر له بسعة علمه وتأهله، فيكون مأجوراً على اجتهاده، وإن كانت خطئاً في نفسها، لكن أن تصدر من شاب متعالم متجرأ على العلم فهذا هو الخلل بعينه.
سادساً: جرأته على المذهب الحنبلي
الشاب محمد عبد الواحد -هدانا الله وإياه- يدعي انتسابه لمذهب الحنابلة، ويلقب بنفسه بالأزهري الحنبلي، ويعرض نفسه للناس في وسائل التواصل في صورة المتخصص في المذهب، الخبير به، المقرر له، العالم بجزئياته، المحيط بأقوال أعلامه وأئمته، فتراه يكثر من انتقاد بعض المعتنين بالمذهب وبكتبه، حتى انخدع به قليلو العلم والخبرة.
وليس الإشكال في كونه معتنياً بالمذهب الحنبلي، ولا في كونه ملتزماً له لا يخرج عن أقواله، فهذا قد دأب عليه كثيرون من أهل العلم عبر القرون، ومع ذلك لا يخرج أكثرهم عن كونهم مقلدين، والمقلد كما ذكر ابن عبد البر وغيره ليس معدوداً في العلماء.
وإنما الإشكال في تسلقه على المذهب، وجرأته عليه، من دون أن يكون له سلف من الحنابلة يتلقى عنهم علوم المذهب، يقرأ عليهم متونه، ويشرحون له عبارات أصحابه، ويقررون له أصوله وقواعده، فإن أكثر الحنابلة اليوم في نجد بالخصوص، وهو لم يُعرف عنه الأخذ عنهم، فضلاً عن ملازمتهم، فالذي يظهر أنه لم يتلق مذهبه الحنبلي الذي يدعيه إلا من بطون الكتب، ولا يخفى أن الأخذ من الكتب لا يجعله خبيراً بالمذهب، فضلاً عن تصييره ناقداً بصيراً.
ولعلي أختم بنصيحة أوجهها لأخينا الشاب محمد بن عبد الواحد، وهي أن يراقب الله تعالى، ويحذر من العجب والغرور، فإنهما يهلكان العبد، ويُسخطان الرب، وأن يتأدب بأدب العلماء، ويلتزم نهجهم، ويسلك سبيلهم، ولا يستعجل شيئاً قبل أوانه، بل عليه أن يحرص على ملازمة العلماء، والأخذ عنهم، وترك الاعتداد بالنفس والثقة بها، ولا يستقل بأخذ العلم من بطون الكتب، فإن العلم لا يُؤخذ إلا من أفواه العلماء الربانيين، مع إخلاص وصدق، وتضرع لله تعالى.
كما أنني أنصح الشباب والمبتدئين في طلب العلم، بأن يحرصوا على أخذ العلم عن أهله المعروفين به، العاملين به، القائمين عليه، واجتناب الأغمار الباحثين عن كل جديد، فإن العلم أصيل لا جديد فيه، وطرق العلماء في أخذ العلم وتلقيه وفهمه والعمل به لم تزل مسلوكة متبعة، وبها صار العلماء أئمة يُهتدى بهم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن من أشراط الساعة أن يُلتمس العلم عند الأصاغر» [رواه ابن المبارك في «الزهد»، واللالكائي في «أصول السنة» وغيرهما]، وفُسّر «الأصاغر» بأهل البدع، وصغار السن.
والله المسؤول أن يعصمنا من الزلل، وألا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، وأن يزرقنا البصيرة في الدين، ويوفقنا لسلوك سبيل السلف الماضين، والله أعلم وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه / فيصل بن قزار الجاسم
21 ذو الحجة 1438ه