الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
فهذه مقالة مختصرة في بيان حال “المعلّم المتقاعد” سالم الطويل وكشف شيء من تناقضاته، وتخبطاته.
قال ابن القيم -رحمه الله-:
(ولا يتمكَّن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحقِّ إلا بنوعين من الفهم:
أحدهما: فهمُ الواقع، والفقهُ فيه، واستنباطُ علمِ حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علمًا.
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع. وهو فهمُ حكمِ الله الذي حكَم به في كتابه أو على لسان) اعلام الموقعين 1/189
فمن لم يعرف الفرق بين فقه الدليل؛ وهو فهم حكم الله
وفقه التنزيل؛ وهو فهم الواقع الذي يُنزل عليه الحكم:
لم يحق له الكلام في العلم ولا الحكم على الوقائع وتنزيل الأحكام فضلا عن تخطئة غيره ونقد أحكامه.
وعدم التفريق بين النوعين يصدر اليوم كثيرا ممن لم يمارس العلم، منهم “المعلّم المتقاعد”:
فإن أقصى ما حصّله: دراسة جامعية مدتها 4 سنين، وحضور حلقات متفرقة لبعض العلماء مدة دراسته مكتفيا بها.
ولم يدمن بعدها قراءة كتب أهل العلم والفقه والترقي في درجات العلم والمعرفة، ولا أقول هذا افتراءًا عليه، بل هو نفسه يصرّح بهذا لكثير من تلاميذه ومقربيه، وهو ظاهر جدًا في مقالاته ولقاءاته وكلماته.
ولم يلازم أهل العلم بعد تخرجه؛ مباحثة ومدارسة ومراجعة.
ولم يلزم حلقاتهم مدة كافية تؤهله للكلام في فنون العلم المتنوعة.
وعلامة هذا القصور عند “المعلّم المتقاعد” عجزه عن شرح عامة المتون العلمية؛
كمتن الزاد أو الدليل أو أخصر المختصرات أو العمدة ونحوها في الفقه.
ومتن الطحاوية والحموية والتدمرية ونحوها في العقيدة ونحوها.
فضلا عن متون المصطلح كالنخبة والباعث والموقظة والتمييز ونحوها.
ومتون اصول الفقه كالورقات وروضة الناظر ومختصراتها.
وغير ذلك من فنون العلم وأنواعه.
ودروسه العلمية: إنما هي تعليقٌ على شروحات العلماء على هذه المتون، وذلك لعجزه عن فك رموز المتون وبسط الكلام في مسائله، وعدم قدرته على التحضير بسبب هجره القراءة والاطلاع.
فتراه يكتفي بالتعليق على شروحات المتون.
وهو عاجز عن تخريج طلبة علم، فلا يقوى على ممارسة دور المعلّم المربّي الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، إذ لا يقوى على التدرج معهم من مرحلة ابتداء الطلب، ثم الانتقال بهم الى المرحلة المتوسطة التي تليها وما يناسبها من المتون، ثم الانتقال بهم الى المرحلة المتقدمة التي فيها بسط المسائل والمرور على المصنفات الكبار.
فضلا عن عجزه عن كتابة البحوث العلمية وتأليف الرسائل والكتب في مسائل جديدة أو في مواضيع لم يُسبق البحث فيها والتأليف.
وأما المحاضرات المتكاملة الأركان فهي عنه ببعيد.
بل غاية لقاءاته كلام وقصص وحكايات عرية عن التقعيد والتدليل والتأصيل.
وعامتها في مواضيع مكررة كمسائل السمع والطاعة، والتحذير من الخروج والثورة، ومع ذلك لا يحسن فيها العرض الا بالتكرار والقصص والتهويل.
وقد أشغل عامة حياته في العراك والشجار مع الموافق والمخالف.
والضعف العلمي ظاهر عليه جدا في كتاباته وردوده ولقاءاته، فإنها كثيرة الحشو جدا، قليلة المسائل والبحث والتحقيق.
وهذا “المعلّم المتقاعد” وأمثاله يعيب على بعض خصومه مسائل هو نفسه لا يعرفها ولا يحسنها، فتراه يعيب على خصمه قوله في مسألة العذر بالجهل، لكنه لا يعرف حقيقة قول خصمه، فضلا عن العلم بدليله وحجته، مع أن لخصمه بحثا منشورا فيها بالدلائل والنصوص والآثار، وهو عاجز عن رد الحجة بالحجة وإبطال قول الخصم بالدليل، بل يكتفي بالتشنيع والتهويل الذي لا يعجز عنه أحد، وغاية حجته في إبطال قول خصمه أن يقول: هذا قول العالم الفلاني. عجيب!
إذا كان عاجزا عن مقارعة الحجة بالحجة، ويكتفي بالاحتجاج باقوال الرجال، فما له ولهذا الميدان؟!
ومن جهله أن ما ينكره على خصمه في هذه المسألة وغيرها هو قول عامة العلماء قديما وحديثا!!
وربما عاب على خصمه قولًا له في مسألة الانكار على السلاطين، مع أن خصمه قد كتب فيها مؤلفا مستقلا مبسوطا؛ ذَكَر فيه أنواع المنكرات مع الأحكام والدلائل والآثار ونصوص العلماء، لكن لما كان ”المعلّم المتقاعد” عاجزًا عن ردِّ قول خصمه بالدليل، ومقارعة الحجة بالحجة، لم يجد سبيلًا لردّه وإنكاره الا التشنيع والتهويل
فمثل هذا أنّى له الكلام في العلم!
فضلا عن أن يكون حاكما على غيره أو على من هو أعلم منه!
“ليس هذا بعشك فادرجي”
ومن عجيب أمر هذا “المعلّم المتقاعد”، أنك تراه يوجه لبعض من هم أعلم منه وأكثر ضبطا وتأصيلا، خطابًا خَليًّا عن الدلائل والحجج والبيّنات، مكتفيًا بقوله: من أنتم حتى تقولوا كذا؟ الزموا حدّكم وقدركم؟!
ونسي المسكين أن أجدر من يُوجّه له هذا السؤال هو نفسه، إذ حقّه ان يُقال له:
من أنتَ حتى تنتقدهم، وتجعل نفسك حَكَما عليهم؟! الزم قدرك، وقف عند مستواك العلمي!
ضبطُ العلم لا يتأتى بحضور الدروس ولو طالت المدة، بل بمدوامة النظر وملازمة العلماء ومباحثتهم ومحاورتهم، فكيف مع قلة مدة الملازمة؟!
ولابن خلدون في المقدمة كلام جميل في طرائق ووسائل ضبط العلم وإتقانه.
والعلم والضبط لا يتأتى أيضًا بكثرة الخصومات والخلافات مع فقد التأصيل والتقعيد.
فإن هذا “المعلّم المتقاعد” وأمثاله لا يعيشون ولا يتغذّوْن إلا في جو الصراعات والخلافات التي يكثر فيها القيل والقال، هذه بضاعتهم، وفيها حياتهم.
وأما اجواء البناء العلمي والأخلاقي، فهم عنها بمنأى.
وهذا ما يجعل “المعلّم المتقاعد” لا ينفك عن الخصومات، فإنه إن لم يجد مبتدعا يخاصمه، خاصم صاحب سنة، هذا جَوّه، وهو سوقه الذي تروج فيه بضاعته وتنفق فيه سلعته.
لكن إذا علمنا أن “المعلّم المتقاعد” ما هو إلا أحد خريجي مدرسة “التبديع بغير حق”، ومدرسة “من لم يكن معي فهو ضدي”، وقد عاش معهم مدة طويلة، زال تعجبنا من كثرة خصوماته ونزاعاته.
بل بلغ به هوس الخصومة إلى أنه صار يخاصم فِطَرَ عامة الناس، ويعاكسها، ويضادها، ويستميت في ذلك، من غير دليل شرعي، ولا حجة ولا برهان، ومن غير اهتداء بالعلماء، كموقفه من مقاطعة الفرنسيين قديما ومقاطعة مناصري الإسرائيليين حديثا، وكموقفه من أزمة غزة وحماس والفصائل، وغيرها من المواقف الكثيرة التي يتلذذ فيها “المعلّم المتقاعد” بمخالفة الناس، ليس عن علم، ولكن عن مجازفة وجرأة وجهل. كأنما نصبه الفرنسيون والإسرائيليون والكفار للدفاع عن تعدّيهم على المسلمين ومقدساتهم وحرماتهم.
ومن آفات هذا “المعلّم المتقاعد” انه يعيب على خصمه مسائل قد نص عليها أكابر العلماء وكتبوا فيها، وذلك بسبب قلة اطلاعه وضعف علمه وقصور فهمه، كبعض مسائل الايمان والمظاهرة والردة.
ولو قيل له: ابسط القول فيها، وأبرز لنا القول الصحيح بالدلائل، وبيّن بطلان حجة الخصم، لتلكأ وتلعثم، ولفّ ودار.
من ذلك عجزه عن إثبات سرورية بعض خصومه، واكتفاؤه باستنتاجات ذهنية وتقديرات عقلية وحكايات مكذوبة، بعيدا عن التحقيق العلمي في تمحيص أقوال ومذاهب المخالفين.
والعجيب أن بعض من يتهمهم “المعلّم المتقاعد” بالسرورية: له كتابات في بيان منهج الجماعة السرورية، وتقعيدٌ لمخالفاتهم، وتأصيلٌ فيما خالفوا فيه السنّة، في ثلاثة كتب من مؤلفاته، فضلا عن دروسه ومحاضراته، لكن من جرأة هذا “المعلّم المتقاعد” على الاتهام بالظنون والاوهام: يدّعي أنْ ليس لخصمه كلام في السرورية!!
وهذه هي عادته، فإنَّ دأبه: الاتهام بلا بينة ولا برهان.
وكلام خصمه الصريح في السرورية والاخوانية، إنما يفعله تديّنًا لا تأكّلًا، ونصيحة لا شماتةً، ولذلك لا يتجاوز في نقدهم الحد الشرعي، ولا يُعين عليهم ظالمًا، ولا يُقوّي عليهم العلمانيين والتنويريين والمنسلخين من الدين، بل يسلك فيهم المسلك الشرعي، ويهتدي فيهم بهدي العلماء الربانيين الذين يُكثر “المعلّم المتقاعد” من الدندنة في تعظيمهم، مع مخالفته الصريحة لهم في هذا الباب.
فخصمه لا يتأكّل بنقدهم كما يتأكّل “المعلّم المتقاعد”، وليس هو ممن يتمندل به أهل النفوذ والجاه كحال “المعلّم المتقاعد” ومن لفّ لفّه.
ومع إكثار “المعلّم المتقاعد” من إلزام خصومه ببيان موقفهم من السرورية بالاسم؟ ومطالبته لهم بالتصريح بهذا الموقف، ومزايدته لهم فيه.
لو سأل نفسه: ما هو موقف العلماء منهم؟ وأين تصريحهم بنقد السرورية اسمًا؟ لما وجد جوابًا، ومع وضوح هذا الجواب، تراه يدندن ومريدوه: “نحن مع العلماء”!!
فأيُّ علماء يقصد؟ ليسمِّ لنا هؤلاء العلماء حتى نعرف صحة دعواه من عدمها؟
إذا عرفنا هذا، فإن دندنة “المتعلّم المتقاعد” المبالغ فيها عن السرورية والإخوانية، وخروجه عن حد الاعتدال فيها، وتنكبّه عن منهج العلماء في نقدهم، يحتمل أمرين:
الاول: انه إنما يفعله تزلفًا وتسلّقًا ومتاجرة.
الثاني: أنها بضاعته التي لا يحسن غيرها يستقطب بها الأغمار والصغار.
يؤكد هذا أنه لا يكاد يردُّ على أحد من مخالفيه إلا ويذكر الاخوانية والسرورية بداعٍ وبغير داعٍ.
ومن غرائب وتناقضات هذا “المعلّم المتقاعد”: أنه سلك مسلكًا مبتدعًا مع خصومه، وهو تركيب الصور، تراه يركب الصور لتكون واجهة مقاطعه المرئية المنشورة في ردوده, يضع صور خصومه في صورة واحدة بترتيب معين، موهمًا الناظر أنهم على منهج واحد، مع أنّ التباين بينهم قد يكون كبيرًا
فهل هذا من منهج السلف؟
وهل يجوز هذا الفعل شرعًا؟
ننتظر الجواب الصريح من “المعلّم المتقاعد”.
أقول: لو عاش هذا “المعلّم المتقاعد” زمن ابن الجوزي لربما أدرجه في كتاب “أخبار الحمقى والمغفلين”.
يُقال: من لم يجمع ثلاث خصال لا يكون إماما بحال، ومن فقدها كلها فهو على غيره محنةٌ وَوَبَال:
العلم والعقل والأدب.
فكيف الحال لو تصدّر فاقد هذه الصفات؟!
نعوذ بالله من الجهل وقلة العقل وسوء الخلق ورقة الدين.