الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
فهذه كلمة أسجلها في ليلة الجمعة السادس من محرم لسنة ألف وأربعمائة وستة وأربعين للهجرة، والذي يوافق ليلة الثاني عشر من الشهر السابع لسنة ألفين وأربعة وعشرين، وذلك بعد مضي تسعة أشهر على العدوان الصهيوني المدعوم غربيًا على قطاع غزة، في حرب إبادةٍ لم يشهد التاريخ الحديث مثلها، في ظل صمت عالميٍّ رهيب، وتخاذلٍ وتواطؤٍ إسلامي وعربي كبير.
وغرضي من هذه الكلمة النصيحةُ لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وذلك ببيان أمور مهمةٍ متعلقة بأحداث غزة، وجهادِ الصهاينة، أرى وجوبَ التنبيه عليها في هذا الوقت بالخصوص، وذلك بعد طول مدةِ الحرب، وتعاظمِ الكارثة، باستمرار العدوان وزيادة بطشه وطغيانه، مع تعاظمِ التخاذل العربي والإسلامي على الرُّغم من تفاقم المأساة وتعاظمِ العدوان، الأمر الذي فتح بابًا للشر، ومدخلًا لأهل الفساد والإلحاد.
فإنَّ الباطل لا ينتشر، ولا يكون لأهله صولةٌ وجولةٌ، إلا عند تقاعس أهل الحقِّ والسنّة عن القيام بالواجب، فإذا تركت دولُ أهلِ السنّة نصرةَ الحقِّ وأهله، وتقاعسوا عن القيام به، استغلّ أهلُ الباطل هذا التقاعس في نشرِ عقيدتهم، وتحسينِ صورتهم، وإظهارِ أنفسهم مظهر الأبطال، مع كونهم أهلَ الفساد والإبطال.
فهذه الكلمة أسجلها صيانةً لعقائد المسلمين، وتحقيقًا للمقصود الشرعي من جهاد الكفار المعتدين، وتوجيهًا للمجاهدين، وتحذيرًا للمسلمين، سعيًا في تحقيق أسباب النصر والعز والتمكين.
ولا ريب أنَّ الوقوف مع المجاهدين في فلسطين وغزة، ككتائب عز الدين القسام وبقية الفصائل المجاهدة في غزة ضدَّ الصهاينة الغاصبين المعتدين واجبٌ شرعي، وفريضةٌ لا يمتري فيها كلُّ مَنْ عَرَفَ أصولَ الإسلام ومبانيَه العظام، المبنيةَ على موالاة الله ورسوله والمؤمنين، ومعاداةِ الكفر وأهله والمنافقين، والدلائلُ على هذا الأمر أكثر من أن تُحصر.
والنصر لا يتحقق إلا بنصرةِ الله ودينه، وموالاةِ أولياء الله ورسوله، وبالبراءة من الشرك، ومعاداة أهله، وفي ذلك قوله تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).
وأصل ذلك: التمسكُ بعروة الإسلام الوثقى المذكورة في قوله: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا).
فولايةُ المسلم ومحبتُه، ومناصرته، وتأييدُ الله له ونصرتُه، تكون بقدر قيامه بهذا الأصل العظيم.
فأقومُ المسلمين بالتوحيدِ والبراءِة من الشرك وأهله، أحقُّهم محبةً ونصرةً وتأييدًا من الله والمؤمنين.
وعلى هذا أقول: بقدر تأييدنا لما تقوم به حماس والفصائل المقاتلة من جهاد الصهاينة، وصدِّ عدوانهم، وحمايةِ مقدسات المسلمين، وقيامِهم نيابة عن الأمة والمسلمين بقتال وجهاد العدو الغاصب لأرض المسلمين، وفرحنا بما يجري على أيديهم من الإثخان بعدو الله، وفضحِه، وتحطيمِ صورة جيشه الذي اشتُهر بأنه لا يُقهر، وإذاقتِه ألوان العذاب.
فإننا نعيب عليهم، ونعتبُ عليهم عتبَ المحبِّ المناصر، والناصحِ المشفق، والصديقِ العاقل الصادق، تكرارَ الثناءِ على الرافضة، المُمَثَّلين بإيران وأذرعها في العراق واليمن ولبنان، لا سيما مع تطور الأحداث في شمال الأرض المحتلة، وجنوبِ لبنان، ودخولِ الحرب منعطفًا جديدًا قد يًُؤذن بحربٍ واجتياح وعدوان في الشمال.
فإنَّ خبثَ الرافضة، ومكرَهم بالإسلام والمسلمين، وفسادَ عقيدتهم، وقبيحَ صنائعهم في أهل السنّة في التاريخ القديم والحديث أشهر من أن يُذكر.
فالرافضة قد جمعوا من العقائد أقبحَها، ومن الضلال أبعدَه، ومن سوء الصنائع أشنَعَها، فإنهم يكفرون الصحابةَ كلَّهم إلا بضعةَ عشر، ويَبْنُون دينهم وعقيدتهم على البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان، وعامةِ الصحابة، ويَرَوْن أنه لا ولاءَ لعلي وآل البيت إلا بالبراءة من الصحابة، وعلى رأسهم أبي بكر وعمر، وما سمُّوا بالرافضة إلا لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر، كما نصَّ عليه أئمة العلم والتاريخ، وقد استقر أمرُ عقيدتِهم ومذهبِهم على الشرك بالله، بعبادة آلِ البيت، عليٍّ وذريته الأحدَ عشر، بالدعاءِ والاستغاثةِ والذبحِ والنذرِ، والخوفِ والرجاء، وتعظيمِ قبورهم، بل زادوا على ذلك اعتقادَهم العصمةَ فيهم، ووصفَهم بصفات الرب، كعلمِ الغيب، والتصرفِ في الكون.
وفوق ذلك يَدَّعون تحريفَ القرآن، ويتهمون أمَّ المؤمنين عائشة المطهرة بما برأها الله منه.
ولا أقول هذا افتراءً عليهم، بل هو منصوصُ عقائدهم في أمهات كتبهم؛ كالكافي، ومن لا يحضره الفقيه، والاستبصار، وتهذيب الأحكام، وبحار الأنوار، وهو ما نص عليه أئمتهم في كل عصر، إلى يومنا هذا.
وهم مع ذلك يدينون بالتقية، وهي إخفاءُ عقيدتهم، والتظاهرُ بضدها عند الضعف، أو في حال المكر بأهل السنّة.
وفوق ذلك يُكفِّرُون أهلَ السنّة كلَّهم، ويستبيحون دماءَهم وأعراضَهم، ويرون قتلَهم والفتكَ بهم من أعظمِ القربات، وأجلِّ الطاعات.
ولا يُعرف للرافضة في التاريخ جهادٌ ضدَّ اليهود والنصارى والمشركين، بل جهادُهم هو قتالُ أهل السنّة ومعاونةُ أعدائهم، ولذلك كانوا ولا يزالون أبوابًا وأعوانًا لكل غازٍ يغزو بلادَ المسلمين من اليهود والنصارى والمشركين كالمغول وغيرهم، كما ذكره المؤرخون في حوادث مشهورةٍ يطول حصرها، وهي مشهودةٌ في هذا العصر.
قال ابن تيمية، وهو من أخبرِ الناس بهم، وأعلمِهم بحالهم وحقيقة أمرهم، وأسبرِهم لتاريخهم، وقد أفرد فيهم مصنفات، قال رحمه الله: (فقد عُرِف من موالاتهم لليهود والنصارى والمشركين، ومعاونتِهم على قتال المسلمين ما يعرفه الخاص والعام، حتى قيل: إنه ما اقتتل يهوديٌّ ومسلمٌ، ولا نصرانيٌّ ومسلم، ولا مشركٌ ومسلم، إلا كان الرافضيُّ مع اليهودي والنصراني والمشرك). “منهاج السنّة” ٣/٤٥٢
وقال: (كانوا من أعظم الناس عداوةً للمسلمين، ومعاونةً للكافرين، وهكذا معاونتهم لليهود أمرٌ شهير، حتى جَعَلَهم الناس لهم كالحمير). “منهاج السنّة” ١/٢١
وقال: (ولهذا يوالون اليهودَ والنصارى والمشركين على بعض جمهور المسلمين، وعلى معاداتِهم ومحاربتِهم، كما عُرف من موالاتهم الكفار المشركين على جمهور المسلمين؛ ومن موالاتهم الإفرنجَ النصارى على جمهور المسلمين؛ ومن موالاتِهم اليهودَ على جمهور المسلمين، ومنهم ظهرت أمهاتُ الزندقة والنفاق، كزندقة القرامطة الباطنية وأمثالهم، ولا ريب أنهم أبعدُ طوائف المبتدعة عن الكتاب والسنّة، ولهذا كانوا هم المشهورين عند العامة بالمخالفة للسنّة، فجمهورُ العامة لا تعرف ضدّ السنّي إلا الرافضي، فإذا قال أحدهم: أنا سنّي، فإنما معناه لست رافضيًّا. ولا ريب أنهم شرٌّ من الخوارج: لكنَّ الخوارجَ كان لهم في مبدأ الإسلام سيفٌ على أهل الجماعة، وموالاتُهم الكفارَ أعظم من سيوف الخوارج). “مجموع الفتاوى” ٣/٣٥٦
وقال: (وكثيرٌ منهم يوادُّ الكفار من وسط قلبه أكثر من موادته للمسلمين، ولهذا لما خرج التركُ والكفارُ -أي: التتر- من جهة المشرق فقاتلوا المسلمين وسفكوا دماءهم ببلاد خراسان والعراق والشام والجزيرة وغيرها، كانت الرافضةُ معاونةً لهم على قتال المسلمين، ووزيرُ بغداد المعروف بالعلقمي هو وأمثاله كانوا من أعظم الناس معاونةً لهم على المسلمين، وكذلك الذين كانوا بالشام بحلب وغيرها من الرافضة كانوا من أشد الناس معاونةً لهم على قتال المسلمين، وكذلك النصارى الذين قاتلهم المسلمون بالشام كانت الرافضةُ من أعظم أعوانهم، وكذلك إذا صار لليهودِ دولةٌ بالعراق وغيره تكون الرافضة من أعظم أعوانهم؛ فهم دائمًا يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم). “منهاج السنّة” ٣/٣٧٧
وقال بعد أن عدد بعض مواقفهم مع الكفار ضدّ المسلمين أهل السنّة: (وهم كانوا من أعظم الأسباب في استيلاء النصارى قديمًا على بيت المقدس حتى استنقذه المسلمون منهم… فهذه الأمور وأمثالُها مما هي ظاهرةٌ مشهورةٌ، يعرفها الخاصة والعامة، توجب ظهور مباينتِهم للمسلمين، ومفارقتِهم للدين، ودخولِهم في زمرة الكفار والمنافقين، حتى يعدُّهم من رأى أحوالَهم جنسًا آخر غير جنس المسلمين، فإنّ المسلمين الذين يقيمون دين الإسلام في الشرق والغرب قديمًا وحديثًا هم الجمهور، والرافضةُ ليس لهم سعيٌ إلا في هدمِ الإسلام، ونقضِ عراه، وإفسادِ قواعده). “منهاج السنّة” ٧/٤١٤
وقال: (ولم يُعرف في طوائفُ الإسلام أكثرُ كذبًا، وفِتَنًا، ومعاونةً للكفار على أهل الإسلام، من هذه الطائفة الضالة الغاوية، فإنهم شرٌّ من الخوارج المارقين. وأولئك قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: “يقتلون أهل الإسلام، ويَدَعون أهل الأوثان”. وهؤلاء يعاونون اليهود والنصارى والمشركين على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأمته المؤمنين، كما أعانوا المشركين من الترك والتتار على ما فعلوه ببغداد وغيرها بأهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة وولد العباس، وغيرهم من أهل البيت والمؤمنين، من القتل والسبي وخراب الديار. وشرُّ هؤلاء وضررُهم على أهل الإسلام، لا يحصيه الرجلُ الفصيحُ في الكلام). “مجموع الفتاوى” ٢٥/٣٠٩
وعلى هذا أقول: إنَّ كلَّ من اعتقد أن الرافضةَ يمكن أن يجاهدوا اليهود أو النصارى جهادًا شرعيًّا، يُقصد به إعلاءُ كلمة الله، وتطهيرُ مقدسات المسلمين، واستنقاذُ أراضيهم، نصرةً للإسلام، ودفاعًا عن أهل السنّة المستضعفين، فهو واهمٌ وهمًا كبيرًا.
والتاريخ لا يعرف جهادًا للرافضة من هذا النوع قط، بل يعرف ضدَّه.
نعم، قد تتعارض مصالحُ دولِ الرافضة، كإيران اليوم، مع النصارى ودول الغرب وحلفائهم على أمورٍ دنيوية لا دينية، وقد يقع بينهم قتالٌ ونحوه، لكن ليس على سبيل الجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، وإقامة حكمه في الأرض، بل قد يقع دفاعًا عن النفس، أو دفعًا للعدوان، أو تنافسًا في القوى، ونحو ذلك.
فوقوفُ الرافضة اليوم الممثلين بحكومة الملالي مع القضية الفلسطينية عمومًا وحماسٍ خصوصًا، سواءٌ بالدعم المالي، أو الدبلوماسي، أو التقني، أو الإمداد بالسلاح، ونحو ذلك، وتغنّيهم بذلك، لا يقصدون به نصرةَ القضية الفلسطينية، أو الدفاعَ عن المسلمين ضد اليهود المعتدين، أو الانتصارَ للإسلام، وحمايةَ الأقصى والمقدسات، بل هو وسيلةٌ من وسائلِ سعيهم في نشر مذهبهم وعقيدتهم، وتصديرِ ثورتهم، لعلمهم أن تحقيق الشرعية لهم في العالم الإسلامي لا يمكن أن يَمَرَّ إلا من خلال القضية الفلسطينية، فَهُمْ بِدَعْمِ القضية الفلسطينية، وجعلِها شعارًا من شعارات ثورتِهم، يتمكنون من تجاوز العائق المذهبي الحائلِ بينهم وبين العالم الإسلامي ذي الأغلبية السنّية.
كما أنَّ دعمهم للقضيةِ الفلسطينية داخلٌ في صراع القِوى في الإقليم، فإن إيران الرافضية تريد أن تلعب دورًا كبيرًا في الشرق الأوسط، فضلًا عن أنَّ هذا الدعم يمكنّها أيضًا من عقد تحالفات تربطها بالعالم الإسلامي السنّي، يسهّل عليها مدَّ أذرعها، وتقويةَ نفوذها في المنطقة.
وبهذا الدعم تستطيع إيران أيضًا استخدام المقاومة الفلسطينية كورقةِ تفاوض، تفاوضُ بها أمريكا ودولَ الغرب، لتحقيق مصالح تعود عليهم بالنفع، وتخفيفِ الضغط والخناق عليهم بشأن العقوبات الدولية، ونحوِ ذلك من المصالح الظاهرة.
وعلى هذا، فالصراع بينهم وبين اليهود والنصارى صراعٌ براغماتي نفعي، ومصلحيٌّ دنيوي، قد يقع مثلُه بين أهلِ الملة الواحدة، وبين أهلِ الأصل الواحد والعرقِ الواحد والبلد الواحد، كالتنازع الذي يقع بين الدول النصرانية عند تعارض المصالح، وفي حال التنافس في القِوى، وهم مع ذلك حربٌ وإخوةٌ ضدَّ الإسلام والمسلمين.
فما تقدمه إيران وفصائلُها في العراق واليمن ولبنان لحماس والفصائل المجاهدة من الدعم المادي والمعنوي، ما هو إلا لمصلحةٍ تعود عليهم، ولنفعٍ يستجلبونه، وضررٍ يدفعونه، وليس نصرةً للإسلام، ولا دفاعًا عن أهل السنّة، ولا ذبًّا عن أراضي المسلمين ومقدساتهم.
ونحن لا نعيب ولا نمنع حماسًا من تلقي الدعم من إيران أو من غيرها من الدول الكافرة، إذا كان بغير شرطٍ، وبدون قيدٍ يضرُّ بالقضية الفلسطينية، أو يضرُّ بالإسلام والسنّة وأهلها، وقد صرح رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل غيرَ مرة، في أنهم يرحبون بالدعم أيًّا كان مصدرُه، بشرط ألا يمسَّ القرارَ السيادي للحركة واستقلاليةَ توجهاتها، وأشار في كلامه إلى دعم إيران. [“الجانب الآخر” مقابلة مع خالد مشعل، برنامج في الصميم].
وإنما نعيب على حماس توظيفَ الرافضة هذا الدعم في تعزيزِ نفوذهم، وتلميعِ صورتهم، وتحقيقِ مكرهم وكيدِهم بالسنّة وأهلها، وهذا يظهر جليًَّا بتكرارِ بعض قادة حماس والفصائلِ المجاهدة الثناءَ عليهم، وعلى رموزِهم الدينية التي أضرت بالإسلام وأهله، وكانت سببًا من أسباب المحن لأهل السنّة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها من الدول.
فكيف يتصوّر مسلمٌ سنِّيٌ، فضلًا عن عاقل مطلعٍ على التاريخ أنَّ إيران الرافضية التي قتلت أهلَ السنَّة في إيران قديمًا وحديثًا، وفي سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن، وفي غيرها من البلاد، وذبحتهم ذبحًا، ووقفت مع النصارى الغزاةِ كأمريكا وغيرِها من دول الغرب، وقصفت بيتَ الله الحرام كما جرى من الحوثيين، وفَجَّرت وقتلت حجاجَ بيت الله كما جرى في أحداث الحج سنة ١٩٨٧م، على غرار ما فعله أسلافهم القرامطة، الذي كانوا من الرافضة، سنة ٣١٧هـ، عندما قتلوا الحجيج، وردموا بئر زمزم بجثث القتلى، وسرقوا الحجر الأسود.
فضلًا عن زرعها كثيرًا من الميليشيات الموالية لها في عدد من الدول العربية، لا سيما الخليجية منها، لأجل توظيفها في تهديدِ استقرار الدول السنّية، وزعزعةِ الأمن فيها.
كيف يُتصور أنَّ هؤلاء المجرمين، يمكن أن يكونوا مجاهدين في سبيل الله، مناصرين للسنّة وأهلها نصرًا حقيقيًّا لا نفعيًّا ضدَّ اليهود في فلسطين؟!
هذا لا يمكن أبدًا، إلا إذا اؤْتُمن الذئبُ على الغنم.
وإيرانُ والرافضةُ أخطر على الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى، وأشدُّ خبثًا ومكرًا، لأنهم في حكم المنافقين الذين هم أشدُّ خطرًا من الكفار الأصليين بنص القرآن المبين.
ومع ذلك قد يقول قائل: ما تفضلتَ به معلوم، لكنَّ شكرَهم على معونتِهم ودعمِهم غيرِ المشروط مطلوبٌ، فإنه لا يشكر الله مَنْ لا يشكر من أسدى إليه معروفًا من الناس كما جاء في الحديث، ولقوله صلى الله عليه وسلم: “من صنع إليكم معروفًا فكافئوه”.
فأقول جوابًا على هذا الإيراد: شكرُهم على الدعم شيءٌ، والثناءُ على رموزهم الدينية كالخميني، وعلى أكابر مجرميهم كقاسم سليماني، ووصفِهم بضدِّ ما يتصفون به على الحقيقة شيءٌ آخر.
فالظالمُ إذا أعانك شكرتَه، لكن لا يحلُّ لك أن تصفه بالعدل، والزانيةُ إن أعانتك في خير شكرتَها، لكن ليس لك أن تصفها بالعفة.
فشكرُهم شيء، ووصفُهم بالمجاهدين في سبيل الله، أو بالشهادة، أو تلقيبُهم بالإمامةِ، وجعلُهم قدوةً وأسوةً، والترضّي عن رؤوس الضلال فيهم، شيءٌ آخر.
فإن قال قائل: إنما فَزِعَت حماس إلى إيران، لما تخلّت عنها الدول السنية، فهي لم تفعل ذلك إلا اضطرارًَا.
فأقول مكررًا ما ذكرتُه آنفًا، إننا لا نمنع حماس والفصائل من تلقي الدعم من إيران إذا كان بغير شرط ولا قيدٍ يضرُّ بالإسلام وأهله، لا سيما إنْ ضاقت بهم السبل، كما استعانت دولُ الخليج بأمريكا والغرب أثناء غزو حزب البعث للكويت. لكنَّ تخلّي الدول السنّية عن حماسٍ لا يبيح لها ولا لغيرها من الأحزاب والجماعات والدول تزيينَ صورةِ الرافضة، وتلميعَهم إعلاميًا بما يعززُ نفوذَهم، وينشرُ عقيدتَهم، ويقوي شأنَهم، ويعودُ بالضرر على الإسلام والسنّة وأهلها.
والنصرُ ضد الأعداء لا يتحقق على التمام والكمال إلا بالطريق الذي رسمه الله تعالى وأباحه، وكلُّ مخالفةٍ للشرع في الجهاد فإنها تؤخرُ النصر، وقد تمنعُه.
فالصحابة رضي الله عنهم هُزموا في أحدٍ لمخالفة بعض الجيش لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، على سبيل التأويل لا المعاندة والمحادة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن شاء الله الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرّم عليهم”.
فما عند الله لا يُطلب إلا بما شرعه الله.
ومع ذلك أقول لحماس وللفصائل المجاهدة: إننا مع نقدنا لكم على موقفكم من إيران، وثنائِكم على رموزهم، فإن هذا لا يمنعنا من نصرتكم، ومعونتِكم، بل نحن معكم في خندقٍ واحدٍ ضدَّ اليهود المعتدين، ننصركم بكل ما أوتينا من قوة، ولن نقفَ مع عدوِّكم أبدًا، كما أننا لن نخذلَكم، ولن نُسلمَكم لعدوّكم.
ولن نكون بحمد الله أبواقًا للصهاينة، ولا أذنابًا للساسة، ولا مطيةً للعلمانيين والتنويريين، ولا مرتزقةً متنفعين.
لكننا مع ذلك نُسدي لكم النصيحةَ على الوجه الذي يحقق المطلوب، مع مراعاة الوقتِ المناسب للنصيحة، كل ذلك محبةً لكم، ونصرةً لقضيتكم التي هي قضية المسلمين كلِّهم.
وعلى هذا، فدعمُنا لحماس والفصائل المقاتلة لا يعني موافقتَنا لهم على موقفِهم من إيران ومدحِهم أذنابَها، كما أنَّ نَقْدَنا لهم في هذا لا يمنعنا من نصرتِهم وإعانتِهم والوقوفِ معهم.
وهذا هو المسلك العدل، والقول الوسط، وهو الحق والطريق المستقيم الموافقُ للنصوص والإجماع وعمل أئمة المسلمين.
فلن نفعلَ فعلَ الجهلةِ، والمرتزقةِ، من الوقيعةِ فيكم، والتشنيعِ عليكم، والتزهيد في جهادكم، والتركيزِ على أخطائكم، وإلحاقِكم بالرافضة في الأحكام والمواقف، وحربِكم إعلاميًّا، ومحاولةِ هزيمتكم نفسيًَّا، ممن صاروا بوقًا لليهود، وأداةً إعلامية لهم، ووسيلةً حربية يستخدمونها ضدكم من حيث لا يشعرون.
كما أنه من المهم: تذكيرُ قادةِ حماس بأنَّ قضية فلسطين، ليست قضيةً حزبيةً، فأنتم إنما تمثلون في جهادكم الإسلامَ، ولا تمثلون حزبَ الإخوان المسلمين، وإن انتميتم إليهم، وخرجتم من رحمهم.
ومع موقفنا المعلنِ من جماعةِ الإخوان المسلمين، بشقيها البنائي والسروري، وإيمانِنا بخطأهم في بعض الأصول العقدية والعملية، واعتقادِنا بعدَهم عن الحقِّ في جوانب من الدين، ومخالفتَهم طريق السنّة في دعوتهم، فإننا لا نغلو في تخطئتِهم والتحذيرِ منهم غلوَّ من يقدّمُ عليهم من هم أعظمُ مخالفةً، وأشدُّ ضلالًا، وأبعدُ عن الحق، فضلًا عن تقديم الكفار عليهم، كاليهود والنصارى والمشركين، أو العلمانيين والتنويريين، فعلَ بعض الغلاة والمرتزقة، مع مراعاتنا للوقت والزمان، وتغيّر الأحوال، وتقدير المصالح والمفاسد.
كما أننا نرى لهم حقوقَ الولايةِ كلِّها إذا تولّوا على المسلمين، كما لغيرهم من حكّام المسلمين، على ما هو الحال في غزة بتولّي حماس، وفي مصر سابقًا عند تولي الإخوان.
فالتوسط والاعتدال مطلوب شرعًا، فما عند الإخوان والسروريين وغيرهم من الأحزاب والجماعات الإسلامية، من المخالفة للحق في جوانب من الدين، لا يجوز أن يكون مانعًا من الحكم فيهم بالحقّ والعدل، ولا مبيحًا لمنع ما لهم من الحقوق الشرعية، ولا حائلًا دون الإقرار لهم بما وافقوا فيه الحق والصواب من قول أو فعل.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)، أي: لا يحملنّكم بغضُ قومٍ على عدم العدل فيهم، ومنعِ ما لهم من الحقوق، وبخسِ ما وافقوا فيه الحق والصواب.
فأهلُ السنّة المحضة هم أعلمُ الناس بالحق، وأرحمُهم بالخلق، يحكمون بالعدل، ويُنصِفون في الحكم، ويرحمون في الفعل، وإذا ردُّوا على الجماعات والفرق الإسلامية المخالفة، وبيّنوا خطأها، وأنكروا عليها ما خالفت فيه الحقَّ، فإنما يفعلون ذلك ديانة لله، وطاعة له، ولذلك يسلكون السبيل الأقومَ والأعدلَ والأمثل للصلاح والإصلاح، مراعين الحال والمقام بما يحققُ المصالحَ ويدرءُ المفاسد، ولا يفعلون فعل المرتزقة الذين يردّون على الجماعات المخالفة للسنّة مواكبةً وموافقةً لهوى الولاة والدولة، لا طاعةً وديانةً لله، ولذلك تراهم يسلكون السبيل الأعوج الذي يهدم ولا يبني، ويُفسد ولا يثمر، فلا يحكمون بالعدل، ولا ينصفون الخصم، بل يُرضون الولاة بنقد الجماعات ولو بمبالغةٍ وغلوٍّ وإجحاف، ولا يراعون الحال والمقام، لا يعتبرون العواقب والآثار، غرضُهم التزلفُ والتقربُ وإرضاءُ الولاة فَحَسْب، وافقوا الولاةُ الحقَّ أو خالفوه.
وأختم بالقول: إنّ على قادة حماس السياسيين والعسكريين، التنبهَ لهذا الأمر، ووضعَ الأمور في نصابها، والعملَ على ما يقوي قضيتهم، ويعززَ أسبابَ النصر والتمكين، بتمييز العدو من الصديق، والمؤمن عن المنافق والزنديق، وألا يُستغلَّ جهادُهم الشرعي في خدمة أعداءِ الإسلام وخصوم السنِّة من حيث لا يشعرون.
وما ذكرتُه في هذه الكلمة ليس قولي وحدي، بل هو قولُ كلِّ من أعرف من أهل العلم والاعتدال، والإنصاف والاتزان، المتبرئين من طرائق أهلِ التعصب والتحزب، والمتنزهين عن مسالك المرجئة وأهلِ الارتزاق والتنفع، والمتجردين عن المؤثرات والحوائل المانعةِ من قول الحق.
هذا ونسأل الله بمنه وكرمه أن ينصر إخواننا المجاهدين في فلسطين، وأن يمكنهم من رقاب الكافرين، وأن يكشف الكرب عن المستضعفين، وأن يرد كيد أعداء الدين من اليهود والنصارى والمشركين، والباطنية الملاعين، عن بلاد المسلمين.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.