الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد،
فقد استدل بعض أهل الأهواء بحديث مروي عن أسماء رضي الله عنها في الترخيص في المتعة بالحج فحملوها على متعة النساء، وهو الحديث الذي يقول الراوي فيه وهو مسلم القري (دخلنا على أسماء – رضي الله عنها – فسألناها عن متعة النساء، فقالت: فعلناها على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -)
والحديث مداره على شعبة عن مسلم القري عن أسماء رضي الله عنها
وقد رواه عن شعبة أربعة واختلفوا عن شعبة في لفظه:
(1) فرواه أبو داود الطيالسي عن شعبة واختُلف عليه
(أ) فرواه يونس بن حبيب ومحمود بن غيلان عن أبي دواد عن شعبة به بلفظ (متعة النساء) [مسند الطيالسي 1/227 والنسائي 5/326 وأبي نعيم في مستخرجه 3/341]
(ب) ورواه عمرو بن علي الفلاس وعبدة بن عبد الله الصفار عن أبي داود عن شعبة به بلفظ (فسألناها عن المتعة) ليس فيه النساء [الطبراني في الكبير 24/103 وأبي نعيم في مستخرجه 3/341]
(2) ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة بلفظ (فسألناها عن المتعة) ليس فيه النساء [مسلم 2/909 وأبي نعيم في مستخرجه 3/341]
(3) ورواه غندر عن شعبة به وقال شعبة فيه (قال مسلم: لا أدري متعة الحج أم متعة النساء) [مسلم 2/909]
(4) ورواه روح بن عبادة عن شعبة به بلفظ (متعة الحج) وفيه قصة حيث قال مسلم القري: (سألت ابن عباس عن متعة الحج فرخص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها. فقال: هذه أم ابن الزبير تحدث أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رخص فيها فادخلوا عليها فاسألوها. قال: فدخلنا عليها فإذا امرأة ضخمة عمياء، فقالت: قد رخص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيها) [مسلم 2/909 وأحمد 6/348 والطبراني في الكبير 24/77 وأبي نعيم في مستخرجه 3/341]
وبهذا يتبين أن المحفوظ والراجح من لفظ الحديث هو متعة الحج لا متعة النساء لأمور:
أولاً: أنه لم يذكر (متعة النساء) إلا أبو داود الطيالسي وقد خالف فيه من هو أكثر عددا وأحفظ منه مثل غندر وعبد الرحمن بن مهدي وروح بن عبادة، وهؤلاء تقدم روايتهم على رواية أبي داود لأنهم أكثر عدداً وأحفظ من أبي داود عموماً وفي شعبة خصوصاً وهذا بين لمن له أدنى اطلاع على طبقات الثقات.
ثانياً: أن أبا دواد قد اختُلف عليه فلم يتفق الرواة عنه في ذكر متعة النساء، والأرجح من الروايات عنه هو لفظ (المتعة) دون ذكر النساء، لأمور:
(1) أن رواتها عنه أحفظ فعمرو بن علي الفلاس من الحفاظ الأثبات ومن شيوخ أصحاب الكتب الستة، وكذلك عبدة الصفار ثقة روى له البخاري، أما يونس بن حبيب فهو وإن كان ثقة ولكنه ليس بدرجة هذين ولم يرو له أحد من أصحاب الكتب الستة ومحمود بن غيلان ثقة إلا أن الأوليين أحفظ منه.
(2) أن لفظ المتعة هو اللفظ الموافق لرواية الجماعة عن شعبة فلذا لزم أن يقدم.
ثالثاً: أن رواية روح بن عبادة فيها ذكر القصة وهي ذهابهم إلى ابن عباس – رضي الله عنهما – وسؤاله عن متعة الحج ثم إحالته لهم إلى أسماء – رضي الله عنها -، وهذا يدل على حفظ راويها، إذ هذا الأمر وهو ذكر القصة وتفصيل وقائع الحديث من طرق ترجيح الروايات عند الاختلاف.
رابعاً: أن مسلم القري وهو الراوي عن أسماء قد شك في ذلك كما في رواية غندر عن شعبة عنه فقال (لا أدري متعة النساء أم متعة الحج) والمعلوم أن غندر من أوثق الرواة عن شعبة.
خامساً: أنه من الممتنع أن يكون الحديث عن متعة النساء، وقد ذكرت فيه أنها فعلتها، لأن إباحة التمتع بالنساء كانت في غزاة الفتح على الصحيح أو في غزوة خيبر على قول، ثم حرمت تحريماً أبدياً، وأسماء – رضي الله عنها – كانت مزوجة إذ ذاك بالزبير بن العوام، فإنها كانت أكبر من عائشة – رضي الله عنها -، وقد تزوجت الزبير قبل الهجرة، وهاجرت وهي حامل بابنها عبد الله، وهو أول مولود في الإسلام، ثم إن زوجها هو من أشد الصحابة غيرة كما هو معلوم عنه، فكيف يقال بأنها تمتعت، حاشاها من ذلك وهي الطاهرة المطهرة، فإن إباحة المتعة إنما كانت في غزوة الفتح، ولم يغادر النبي – صلى الله عليه وسلم – مكة حتى حرمها إلى يوم القيامة، ولم تكن أسماء – رضي الله عنها – قد كانت من ضمن الجيش في غزوة الفتح، فلم تشهد الفترة التي أبيحت فيها المتعة ولم تكن أصلاً لتسافر من غير محرم، فهل يعقل أنها تمتعت مع وجود زوجها!!
فالصحيح إذاً أن الحديث عن متعة الحج لا متعة النساء. والله أعلم