الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،،
فإن المتأمل في تاريخ الدعوة النجدية السلفية التي قام بها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى -يجد أنها قد خلّفت تركة عظيمة من الكتب والرسائل التي توضّح آكد أصول الإسلام وأعظم حقوق رب العالمين ألا وهو توحيده – جل وعلا – وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له. فإنها دعوة قامت على بيان هذا الأصل وإيضاحه وإبرازه والتدليل عليه، كما قامت ببيان نواقضه ومبطلاته والرد على الشبهات التي يثيرها أعداء التوحيد وأئمة الشرك حوله، فأضحت هذه الكتب مناراً للسالكين وزاداً للمتقين وسلاحاً للمجاهدين من أهل التوحيد، لما قامت عليه من أدلة الكتاب والسنّة وما كان عليه سلف الأمة، لا سيما وأنها قد أتت بعد اندراس كثير من مظاهر التوحيد، وانتشار كثير من مظاهر الشرك والبدعة عبر قرون متطاولة، حتى أصبح الداعي إلى توحيد الله – تعالى -داعٍ إلى البدعة والضلالة في عرف الكثيرين وعلى لسان كثير ممن ينتسب إلى العلم ممن ألِف ما عليه الناس واستعاض عن الكتاب والسنّة بآراء الرجال وزبالات الأذهان.
ومن تأمل كتب تراجم القرون المتأخرة لا سيما القرن التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر، فإنه لا يكاد يظفر بترجمة لدعاة التوحيد والسنّة إلا نزراً يسيراً بعد كلفة وعناء، ولأجل هذا جاءت هذه الدعوة المباركة لتحيي ما اندرس من معالم الدين، وتقمع أهل الزيغ والضلالة، وقد قيّض الله – تعالى -لها من ينصرها ويؤيدها بعد الله – تعالى -من أئمة الهدى كالإمام محمد بن سعود وأولاده وأحفاده، حتى أعلى الله – تعالى -منارات التوحيد والسنّة، وطمس منارات الشرك والبدعة.
وكان من أهم ما خلّفته هذه الدعوة المباركة هي هذه الكتب والرسائل، المختصر منها والمتوسط والمبسوط، والتي قام بتأليفها أئمة هدى ومصابيح دجى ممن حملوا على عواتقهم دعوة الرسل – عليهم السلام – في بيان أعظم حقوق الله – تعالى -وآكد أصول الإسلام، فقاموا بها حق القيام، فرحمهم الله أجمعين.
ولما كانت هذه الكتب والرسائل فريدة من نوعها، عظيمة في فوائدها، كان من المهم بمكان أن يتأمل فيها طالب العلم، وأن يستقي من معينها، لا سيما وقد كثر دعاة الضلالة عبر وسائل الإعلام الحديثة المتنوعة.
ومن المُلاحَظ غفلة عدد ليس بالقليل من طلبة العلم عن هذه الكتب والرسائل وعدم اعتنائهم بها، فكان أن ظهر في تقريرهم للتوحيد بعض الضعف، وخفيت عليهم بعض دقائقه التي اعتنى ببيانها أئمة الدعوة. كما ظهرت أيضاً على إثر ذلك بعض الأقاويل المخالفة للكتاب والسنّة وما كان عليه سلف الأمة، فضلاً عن لمز بعض هؤلاء لأئمة الدعوة، أو الحديث عن نوع غلو فيهم وما شابه ذلك مما ظهر من بعض طلبة العلم غير المتمكنين منه.
وهذه الكتب والرسائل قد امتازت بميزات وخصائص عن كثير من الكتب والرسائل، أذكرها على سبيل الإيجاز والاختصار:
أولاً: أنها من أنفس الكتب التي تقرر التوحيد وتوضح الشرك، وتبيّن مسائل الولاء والبراء وتذكر صورها وأنواعها، وفيها من الردّ على الشبهات المتعلقة بالشرك ووسائله ما ليس في غيرها.
ثانياً: أنها كتب أئمة محققين وأعلام مشهورين وعلماء متبعين لا مبتدعين ولا متمذهبين.
ثالثاً: أنها توضح كثيراً من إجمالات وإطلاقات الأئمة المحققين من أمثال ابن تيمية وابن القيم وغيرهما، فهي كتب تفسير وتوضيح لكلام العلماء، كما أنها كتب تُفسر وتوضح عبارات إمام الدعوة.
رابعاً: أنها كتب مبنية على الدليل من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، وهذا في كل مسائل الدين العقدية والعملية، فهي كتب منهجية تربي الطالب والقارئ على تعظيم الدليل وتقديمه على الآراء والأقيسة والعقول والأفهام.
خامساً: أنها كتب تاريخ لدعوة سلفية، وتجربة عملية توضِّح طريق السلف في إصلاح الأمة الإسلامية.
سادساً: أنها كتب علماء عاملين ومجاهدين صابرين جمعوا بين العلم والعمل.
سابعاً: أنها الكتب التي عكف على دراستها العلماء الجهابذة، والتي تتلمذ عليها الفطاحلة من أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز والفوزان وغيرهم من أئمة أهل الدين والتقى.
فلهذه المزايا وغيرها نحن نحتاج إلى العناية بهذه الكتب ودراستها والاهتمام بها.
وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.